رواية بدون عنوان

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

عندما كنت طالبا جامعيا، بدأت في كتابة مشروع رواية لم اكملها ولم اضع لها عنوان بعد، ورغم تحفيزات الاصدقاء الا انني لم المسها منذ سنوات بعد ان وقفت في الفصل الرابع.

قبل ايام وفي نقاش مع احد اصدقائي، وهو عضو بهذا المنتدى، خطر ببالي ان انشرها بالمنتدى لكن بطريقة مبتكرة، وهي على اعتبار ان الراوي في الرواية يتعدد في صيغه ما بين ضمير المتكلم للبطل والبطلة والراوي الكل المعرفة والرسالة والمذكرات والهلوسات والاحلام، وكأن الرواية كانت تدريبا ليغ الرواية حيث لم تتخذ شكلا واضحا.

بناء على هذا خطرت ببالي ابتكار شيخصياتها للكتابة عن نفسها، مثلا ستجدون اعضاء معنا في المنتدى تحت اسم "كوثر" و"كريم" هذه شخصيات غير حقيقية انا تسجلت بها من أجل كتابة هذه الرواية. وكلما احتجت الى شخصية جديدة ساقوم بالتسجيل بها في المنتدى، واتمنى الا يسبب هذا اي ازعاج لاعضاء المنتدى، لانني ارغمت هؤلاء الاعضاء الجدد على الكتابة فقط في هذه الرواية ولا يحق لهم ابدا في الكتابة خارجا عنها .

تدحرجت صخرة هائلة من قمة ملساء لجبل شديد الانحدار فسدت الطريق على الضوء الساطع من نور الفجر.

- ماذا تقولين؟

لمعان عينيها لم يبهت بعد، أهو نداء أم صد؟

- متزوجة، هذه هي الحقيقة ويمكنك أن تسأل إبراهيم.

بدت ملامحه وكأنه تقدم في السن خمس سنوات دفعة واحدة، عادت العينان إلى حزنهما بعد أن كان الفرح يحاول أن يحتلهما، كنت أحاول أن أداري ترددي بصعوبة. أصبح الصمت الآن هو السلطان الذي لا يرحم، يتركني أسبح في داخلي أسائل نفسي الغرقى، أصحيح ما أفعله؟

في تلك اللحظة تصاعد صوت فيروز شجيا يدق طبلة الأذن: "نسّم علينا الهوى في مفرق الوادي، يا هوى، دخل الهوى، سلم لي على بلادي."

فارتسمت على وجهي تعابير غير التي أبطن. يا لله ما هذا الحظ؟

ينساب الصوت الحالم مثل غدير تدفّئه الشمس المتثائبة وتملأه الحسان بأجساد عارية تتناغم مع نسمات تحرك أغصان ندية، والشجر جيش يحمي الأجساد من الأعين الفضولية.

زادت أنغام فيروز من تقوقعه، لاحظت تحرك مقلتيه مع الأنغام، فعدلت جلستي ودفعته للحديث مرة أخرى.

- ما بك لا تتكلم؟

- فيروز تسحرني، إنها رائعة مع الرحبانيين.

كان النادل يقف أمامنا:

- قهوة

- عصير برتقال

عاد مرة أخرى للصمت. لا أضن السبب أنغام فيروز.

أشعلت سيجارة بعد أن أذبت قطعتي السكر في كاس القهوة، وعادت الموسيقى تمخر بحر الصمت الآسر، تدخل الثنايا، تندس عبر الجلد، وتتسرب إلى العظام، تتملكني كما لا يستطيع سيء أن يتملك شيئا آخر.

كم هو ممل، أنا اهرب من الصمت، فأجد أناسا يعيشونه وسط الصخب، حتى لو اعتبرناه صدم فعلا، ألا يمكنه أن يبادلني بعض الحديث؟ ينسيني مشاكل المطبخ والغسيل.

ما أقساني، راكمت حزنا جديدا لهاتين العينان الحزينتان، أتراه عاش قصة حب فاشلة تركت كل هذا الحزن يستولي على عينيه أن تراه يعيش قصة حب فاشلة؟

هذا البريق في عينيها يدفعني إلى حافة الجنون، يا للحظ التعس، هاتان العينان التي طالما انتظرتهما فرّتا من بين أضلاعي كالزئبق. كدت اسألها، هل تحبين زوجك؟ ولا ادري كيف انطبقت شفتاي على هذه القنبلة، لكنها فاجأتني بسؤال غريب:

- أتعيش قصة حب؟

صاح بسرعة رغم انه لم يكن يتوقع السؤال:

- نعم

غريبة هي إجاباته، لا يترك لمحدثه فرصة أن يواصل الحديث. عندما شاهد صمتي أضاف

- نعم أعيش قصة حب كبيرة، أحب كل شيء جميل، طفولتي، وحلمي الذي سيأتي يوما ما، أنا أحب كل العالم، كل شيء جميل في الكون، وكل الكادحين في العالم هم أحبائي.

تعمدت أن اصمت بعد أن قلت نعم لأول مرة لأرقب رد فعلها إزاء هذه الكلمة، لكن ابتسامتها ظلت مشرقة، ولمعان عينيها لم يبهت، بل تساءلت متضاحكة بعد أن أنهيت كلامي:

- حتى أنا ؟

عاد الفرح يجر جيوشه، وبدت فلول الحزن هاربة خلف أهداب عينيه، فقال بصوت متهدج كي يشعرني بصدق شعوره:

- أنت!!؟؟ ….. نعم

كان قلبي يدق القفص الصدري بجنون، يحاول أن ينفذ من بين الأضلع.

- استح، أنت لم تعرفني حتى!!

لقد أوقفت طموحه، وأشعلت معركة في عيونه، عادت جيوش الحزن مظفرة إلى مواقعها، وغرق كريم في صمت طويل هذه المرة

العيون لغتها عالمية، أما الموسيقى فكانت هي القارب الذي نعبر فيه إلى شاطئ الأمان. أحسست بحوار نتبادله في صمت، يعبر عن الضيق واللهفة. ماذا دهاني؟ من المؤكد أنني لم اسقط في الحب، هذا مجرد حديث عابر، لكن ما هذا الذي يحدث لي؟ ما تفسير هذه الارتعاشة الصغيرة في أصابعي الممسكة بقوة بالسيجارة؟ لماذا هذا الصمت المطبق؟ ما الفرق بين أن تكون متزوجة؟ أم غير متزوجة؟ حتى أضل صامتا.

آه، يا لجرأتها، يبدو أن زوجها غير متزمت، وتحررها غير خاف عكس ما يظهره غطاء الرأس. يجب أن أوقف هذه الارتعاشة الصغيرة في أصابعي.

ماذا فعلت؟ يا لسخافتي، لم اخطط لهكذا حدث، أنا أعيش حياة سعيدة بالمعايير المتداولة، أحببت سعيد وتزوجنا بعد قصة حب ملتهبة. ما الذي دفعني لأشجع هذا المطر، هه، للاقتراب مني، حتى أقسو عليه؟

ملل، ملل، ضجر

فما بالك باللواتي يظلن قابعات في منازلهن أمام حلقات مسلسل لا ينتهي.

زواجي من سعيد، أكان صحيحا؟ فانا ما أزال ابحث عن مغامرات صغيرة هنا وهناك، كما أفعل الآن مع كريم، كل تصرفاتي أصبحت محكومة بالأوامر والنواهي، رغم أني ما عشت أبدا بدونهما.

صحيح أن زوجي جد متفهم وتركني أكمل دراستي، صحيح انه لم يجبرني على شيء أبدا.

لكن هل كان ضروريا أن أتزوج في هذه السن المبكرة؟ وأنا الفتاة التي لم ترتوي بعد من مغامرات الصبا.

إذا بقيت مع هذا الشخص، الذي ارتسمت على ملامحه علامات الإحباط والهزيمة، سأرتكب فعلا شائنا، لا ادري ما هو، لكني سأقوم بعمل غير متوقع، وغير منطقي إن ظل هذا الكريم صامتا.

لقد جاء الفرج، فجأة يقتحم خلوتنا كل من إبراهيم وسميرة، سحبوها من بين ضلوعي لأمر يهمها كما قالا. وتركوني كمهاجر سري غرق رفاقه وظل وحيدا يفرغ الماء الذي ملأ القارب ولم يجد مجدافا، واليابسة تلوح له من بعيد تشعل في قلبه الأمل.

رواية حقيقية مممممممممممممم شكرا

شكرا اخي على القصة رائعة واصل .
مبدع انت والله المنتدى يفتخر بامثالك القليلين
واصل دامت لك حب الكتابة مبدع انت

تغتسل المدينة طيلة الليل بمطر خفيف، وعند الزوال تشرق الشمس كوجه من الفضة بعد أن احتجبت عن الظهور كل الصباح خلف ركام من السحب القاتمة.

كعادته عندما لا يجد ما يفعله، دخل إلى المقهى ثم مال على منضدة في الجناح البعيد عن التلفزيونات، جرّ كرسيا وتهالك عليه صامتا، طلب فنجانا من القهوة وأشعل سيجارة وبدا مستمتعا بوجوده في المقهى وبالجو الدافئ، اخرج كتابا من بين الدفاتر والكتب التي يحملها، وبعد أن تأكد من عنوانه "الدين، والجنس، والصراع الطبقي، الثالوث المحرم"، اشتراه مؤخرا من مكتبة الإدريسي، فتح الكتاب وبدأ يقرأ:

"في مجتمعنا محرمان، لا يجوز التحدث عنهما نقديا إلا مع الأصحاب وبشكل مزاح، ولا تجوز دراستهما علميا تحت طائلة عدم النشر أو مصادرة الكتاب، الجريدة أو المجلة الناشرة، أو تحت طائلة العقوبة القضائية، وفي كل الأحوال نبذ الناس (المجتمع) للكاتب ومضايقته في شتى المجالات. المحرمان هما: الدين والجنس.

"لماذا يعارض المجتمع وتعارض الدولة في تنوير طلبة المدارس في الأمور الجنسية، ولماذا يلعب رجال الدين الدور الأكبر في هذه المعارضة؟ لماذا يحارب هؤلاء المدارس المختلطة؟ ولماذا يفرض تدريس مادة الديانة في المدارس من الصف الأول ابتدائي حتى الصف الأخير (ثالث ثانوي) ؟ .. من جهة يمنع تنوير الشبيبة جنسيا، بالمقابل نرى الأسواق فائضة بكل ما يستغل الحاجة الجنسية لغاية الربح التجاري. من ناحية يمنع النقد الديني، بالمقابل هناك جوامع وكنائس كثيرة ورجال دين تساعدهم الدولة على القيام بعملهم، وهناك وسائل إعلام تنشر الغيبيات وتحقن الناس بالوعي الخاطئ والمشوه."

لم يستطع التركيز مع ما يقرأه، رغم أن الكتاب كن يتطرق لموضوعات كانت تؤرقه مؤخرا، كانت أحداث الأمس تضغط على ذهنه وتنط له صورة كوثر مع كل حرف.

المقهى فسيح وزبائنه متناثرون على الكراسي كقطيع لم يعرف أي مرعى يلجا إليه، ثلاث تلفزات كل في اتجاه، قناة الجزيرة هنا، وأفلام هندية هناك، وما بينهما مقابلة في كرة القدم.

أما الجناح الذي جلس فيه كريم، فليس فيه سوى كأس قهوة وكتاب ومطفأة سجائر وكأس ماء فارغ، لا شيء آخر. عاد كريم من المرحاض والسؤال يؤرقه، كيف يفسر ما وقع له البارحة في الكلية؟

حاول أن يتناسى الأمر بأن اغرق وجهه في الأسطر الوثابة أمام عينيه. وتابع القراءة:

"وفي الواقع، وحتى بدون هذه التلاعبات الفاضحة، يسهل استعمال الدين "كأداة قمع" لاشعورية للصراع الطبقي. فمن جهة يوّجِّه الدين – كما هو معلوم – أنظار الناس عن الخلاص المادي إلى الخلاص الروحي، عن الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة. من جهة أخرى يبرر لهم وجودهم كمستغَلين مظلومين: اختبار لإيمانهم، قصاص لذنوبهم، غضب من الله، الأرض للأغنياء وللفقراء الجنة، والله يعطي الأغنياء ويزيد لكي لا تكون لهم على الله حجة ... الخ. الدين يعد البشر بالخلاص، يعدهم بكل ما حرموا منه على هذه الأرض (حتى المحرمات)، إلا انه يطالبهم بأشياء خطيرة مقابل ذلك. لا يطلب منهم العبادة فقط، بل أيضا ركيزات المتسلط الطبقي: الطاعة (أطيعوا أولي الأمر منكم)، الصبر مفتاح الفرج، عدم مقاتلة الإخوة في الدين، القناعة فالرزق من الله والله يرزق من يشاء، عدم الحسد فالحسود لا يسود، الزهد بالحياة الدنيا فالآخرة خير وأبقى ... الخ. بالمقابل يطالب الأغنياء بما يثبت امتيازاتهم ويرشو الفقراء: التواضع، الصدقة، الزكاة، الصيام، الحج، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا..."

ازدحم المقهى بالزبائن وفرغ منهم سريعا، نظر النادل في ساعته، ثم ذهب يطلب ثمن القهوة من كريم، أعطاه المبلغ وعاد سريعا إلى كتابه، ظل مسترخيا، لا يفكر في الانصراف، لم يستجب لصخب المحيط إلا بعد أن أحس بيد تمتد إلى فنجان قهوته وترشف منها، إنه عادل.

علَّم كريم صفحة الكتاب بتذكرة أوتوبيس وهو يقول:

- صباح الخير.

أزاح عادل نظارته ودعك عينيه المنتفختين من آثار النعاس إلى وقت متأخر. وقال:

+ هل عندك سيجارة؟

أجابه كريم وهو يخرج سيجارة من جيب سترته

- نعم، ها هي ذي، سندخنها معا.

فأجابه عادل وهو يتثائب، فبدا كلامه ممطوطا غامضا:

+ لا، غنها السيجارة الاولى هذا الصباح، وانت تعرف ان للسيجارة الاولى طقوسا مقدسة.

قال كريم بعد ان ناوله السيجارة:

- لا يهم، عندي أخرى، هل معك ولاعة؟

رفع عادل حاجبيه مستغربا، أدخل يديه في جيبي سرواله يتحسسهما، وبعد ان عثر على الولاعة قال:

+ نعم، غريب هذا الامر، أليس كذلك؟ وغريب سؤالك.

- لماذا؟

أشعل عادل سيجارته واخذ نفسا عميقا ثم أشعل سيجارة كريم وهو يقول:

+ أنت تعرف أني لا احمل عادة لا ولاعات ولا قدّحات ولا اعواد ثقاب، والاغرب أن معي اليوم ولاعة.

أخذ كريم يدخن بسرعة وهو يلوك لسانه داخل فمه، وهذه حالة يعرفها عادل جيدا، يعرف أن كريم يريد أن يبوح بشيء ما لكنه لا يجد سياق الحديث مناسبا لطرحه، لذا بادره عادل بسؤال:

+ كيف كانت حالة الكلية أمس.

- على أحسن حال " كلشي امفيك والمنظر امدخم "

+ ماذا تقصد؟

مال كريم الى الامام وهو يخفض صوته ويهمس:

- لا احد في المدرجات ولا حلقيات في الساحة وهذا ما يريح ادارة الكلية.

ارتشف عادل جرعة من كأس القهوة الوحيد ثم شدّ على عقب سيجارته ونفخ الدخان في الهواء بكثافة.


+ هذا الامر منذ بداية السنة وليس جديدا

قطّب كريم حاجبيه ومدذ بصره حتى آخر المقهى وبقي صامتا برهة من الزمن ثم قال:

- أتعرف أن الشعراء الجاهليين كانوا محقيين في بكائهم على الاطلال.

فأردف عادل بسرعة:

+ أتقصد محقيين أم صادقين؟

وانا بدوري اتساءل هل كانوا محقين ام صادقين عزيزي كريم ؟
من طبيعة الحال الشعراء الجاهليين .

zwina hadi