مما يسترعي انتباه المرء و هو يلاحظ مجتمعاتنا العربية، هو سيادة نوع من السخط المعبر عن رفض الحال، هذا الرفض الذي يعبر عنه بمجموعة من الأفعال الدالة كالهجرة السرية، أو الإضرابات و الاحتجاجات، أو الانكباب على قيم الغير دون وعي بأصلها و سبب وجودها،... . فأمام انسداد الأفق و غموضه، لا يبصر المرء إلا الظلام، فيستحيل هذا الأخير إلى إحساس بالعبثية و اللامعنى.
كيف لنا أن نطالب من فقد كل أمل في العيش، بضرورة الانطباق مع ما ينبغي أن يكون، و هو يشعر بوجوده و قد تلاشى إلى الغموض و اللاشيء.
في الحقيقة ليس من خيار أمام هذا الشخص إلا التمرد على ما يحيط به من أشياء و ناس، مادام أنه يكتنفه شعور بالظلم الوجودي و بقهر الزمن الذي لا يرحم. فإحساسه باللاعدل و تجمد الزمن عند نقطة لا يلوح أمامها أي أمل، يدفعه إلى الارتداد إلى حالة ماقبل التعاقد، حيث الفوضى قادرة على استرجاع معنى العيش و الحياة.
ما كان أصل التعاقد و التخلي عن الحرية المطلقة، إلا ضمانا لكرامة العيش و رفاهيتها، و في غيابهما لا يصبح للتخلي عنها(الحرية المطلقة) أي مبرر.
هذا بالظبط ما يفسر و يبرر أيضا، الأفعال المرفوضة قيميا، و التي يمارسها من غلق عليه المستقبل. فلا حل لضمان استمرارية المجتمع وفق منطق المواطن الصالح، و تطوره نحو الأفضل، إلا بتجسيد أصل التعاقد الذي هو المساواة في الحقوق و الواجبات، و إقامة العدل، بإصباغه على الكل.
لكن و من جهة أخرى، قد تكون الفوضى حاجة نفسية يختفي بعض الناس بها وراء عجزهم و كسلهم ، فليس كل الناس يقومون بالمطلوب منهم ليحصلوا على النتائج المترتبة عن مشاركتهم الفعالة في المجتمع، و التي تقتضي مكافأة، هي رفاهية العيش المتمثلة في الشغل و السكن و الصحة....،و عندها لا يصبح التفسير الموضوع في الأعلى مشروعا و لا مقبولا كتعليل.
و عليه ينبغي أن نعين تحديدا نوعين من الفوضى، مشروعة و أخرى غير مشروعة.
فأي النوعين في نظرك هو سائد في مجتمعاتنا؟ .
شكرا