المجتمع المدني حسب المنظور الاوروبي عبر التاريخ.

ان مفهوم المجتمع المدني عرف تطورا او تغيرا في المعنى بالنظر للتغيرات والتحولات الفكرية والسياسية التي عاشتها اوروبا في ظل قرن الحداثة .وفي البداية لابد من التاكيد على الاستعمال العشوائي والغامض لمفهوم المجتمع المدني في المجتمعات السائرة في طريق النمو ومجتمعاتنا العربية خاصة .هذا الاستعمال العشوائي للمصطلح وللمفهوم هو العمل الاساسي الذي دفعني لاختيار هذا الموضوع . والعامل الاخر هو كون هذا المفهوم عرف بذوره الاولى وترعرع في تجربة اوروبا الغربية.
وقد استعمل مفهوم المجتمع المدني في التاريخ الاوروبي في اطار بناء نسق ارتكز على مجموعة من المفاهيم ترتبط ارتباطا وثيقا باسس وهياكل الدولة .الحرية .الارادة العامة ...وقد تطور هذا البناء النظري بفعل الصراعات الايديولوجية المستمرة خاصة في غضون القرن 19م هذه الصراعات هي التي افرزت بروز دور المنظمات المجتمعية مثل الجمعيات _النقابات _الاحزاب في تنظيم المجتمع المدني وضبط علاقته وضلاته باجهزة الحكم =الدولة=. واذا ما اردنا تقسيم مفهوم المجتمع المدني في اوروبا الى مراحل اساسية فيمكن تقسيمه الى مرحلتين اساسيتين .
المرحلة الاولى .
يمكن ان نطلق عليها بنظرية التعاقد الاجتماعي وتجاوز المنحى الديني للدولة .بعبارة اخرى نظرية التعاقد بدل نظرية الحق الالهي للملوك .هذا المفهوم الاول للمجتمع المدني يتبلور في اطار نظرية التعايش الاجتماعي وهو يرادف مفهوم المجتمع السياسي بحيث ان _جون لوك_ يقول في كتابه .الحكم المدني..........وهكذا حيث يؤلف عدد من الناس جماعة واحدة ويتخلى كل منهم عن سلطة تنفيذ _السلطة التنفيذية_السنة الطبيعية التي تخصصه ويتنازل عنها للمجتمع ينشا عندنا حينذاك المجتمع السياسي او المدني .....
اذن اقترن في نظر هؤلاء المجتمع المدني بالمجال الدنيوي والتخلص في المجال السياسي من مبادرات العصور الوسطى المسيحية الكنيسية . بعبارة اخرى تصبح الدولة والقوانين والمؤسسات ثمرة التجربة التاريخية المستقلة عن المجال الديني المقدس . _وهنا يمكن الحديث عن الدولة في مفهومها العلماني اي فصل الدين عن الدولة .
المرحلة الثانية .
بعد المرحلة الاولى لمفهوم المجتمع المدني تاتي النظرة السياسية الليبيرالية .وفي هذه المرحلة يمن ان ناخذ كمثال _هيغل_ الذي يعتبر المجتمع المدني كمجال للمبادرة الخاصة والمصلحة الخاصة .وينطلق_هيغل_من كون المجتمع المدني في شكله التعاقدي عاجز عن تحقيق او ضمان الامن العام .وبالتالي فالدولة المجسدة للحرية بل في حسب التعبير الفلسفي لهيكل هي _نظام العقل_وبالتالي فالمجتمع المدني يشكل احدى مستويات تمظهر الدولة .فهيكل اذن يعتبر ان مفهوم المجتمع المدني يطابق المجتمع السياسي او الدولة كما هو الحال في النظرية الاولى بل ان استخدامه يضاهي مجال انتاج وتبادل الخيرات المادية يعني المبادرة والمصلحة الخاصة والدولة في نظره هي المجال الجوهري المجسد للمصلحة العامة بمعنى ان الدولة هي الاداة التي تترك الحرية الكاملة في السوق لدعم كل ما يمكن ان يساهم في انتاج والتبادل الراسمالي .وهنا لا بد من التاكيد على الثار الذي كان الموضعيةالالمانية على نسق_هيغل_هنا التامر يبدو جليا في النظرية الهيغيلية لاعتبارات كثيرة اهمها .
التاخرالتاريخي الالماني مقارنة مع سيرورة التطور الفرنسي والبريطاني لذا في نظره ان الدولة القومية التي يمكن بها تحقيق المصلحة العامة _الدولة_والخاصة _المجتمع المدني_كما ان الدولة في نظره ليست تركيبا صناعيا بفعل التعاقد لبحر مع المواطنين بل هي الجوهر والاصل والافراد مجرد انتاج .بمعنى ان هيغل كان يدافع على ضرورة بناء الدولة _الجوهر_ القادرة على تجاوز التاخر الحاصل في المجتمع المدني .
بعد هيغل نمر لنموذج اخر هو _كارل ماركس_ الذي يعتبر المجتمع المدني كمجال للصراع الطبقي . فماركس في شبابه كان مفهومه للمجتمع المدني قريبا من المفهوم الهيغيلي بحيث كان يعتبر المجتمع المدني مجالا لتضارب المصالح البرجوازية .لكن بعد انكبابه على انجاز دراسة نقدية لبنية المجتمعات الراسمالية الليبيرالية خلص إلى التمييز بين الدولة باعتبارها أداة طبقية لضمان السلطة الطبقية السائدة وبين المجتمع لتجاوز المنظور الليبيرالي التعاقدي للدولة .ويتفق كل من هيغل وماركس على مرافقة المجتمع المدني للدولة .وأصبح المفهوم بالنسبة لهما بمثابة وسيط بين الدولة والمواطن وبطبيعة الحال فظهور تنظيمات مجتمعية _النقابات .الأحزاب_في النصف الثاني من ق19جعل مؤشرات جديدة ستطفو على السطح وتجعل المفهوم يأخذ منحى أخر.
وهنا تبدأ مرحلة أخرى وهي المرحلة التي بلورها المفكر الايطالي _انطونيوغرامشي_...عاش ما بين العقد الاخير للقرن19وهو مفكر ورجل سياسة .اي مناضل في الحزب الشيوعي الايطالي له الكثير من المؤلفات وعاش مرحلة دقيقة من تاريخ ايطاليا وهي فترة ما بين الحربين التي تميزت بازمة عامة في اوروبا_اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا والتي فتحت الباب أمام الفاشيين والأزمة السوسيواقتصادية في ايطاليا نقاشا داخل هياكل الحزب الشيوعي الايطالي .وبعد نجاح الثورة البلشفية سنة 1917واقرار الأممية الثالثة حصل أن أحزاب شيوعية ظهرت في أوروبا وعلى رأسها الحزب الشيوعي الايطالي وهو نموذجا مثاليا ._
منذ البداية يفكر في ضرورة تكييف الماركسية واللينينية والتقاء النظرية المطبقة في ايطاليا بالنظر الى الخصوصيات الأوروبية .ويعتبر _غرامشي_اول من حدد بشكل دقيق مفهوم المجتمع المدني .حيث انه بالنسبة لغرامشي يتشكل من مجموعة المنظمات الاجتماعية والسياسية المستقلة والتي تعمل على نشر وبلورة مشروع ايديولوجي الذي هو بمثابة اداة لفرض الهيمنة الإيديولوجية .فغرامشي توصل في البداية الى قناعة مفادها ان المجتمع المدني في الغرب أصبح حبيس السيطرة التامة للدولة او للمجتمع السياسي فالدولة تمارس هذه الهيمنة عن طريق أجهزتها الإيديولوجية والشرعية .ولماذا اديولوجية. لأنها من أهم ركائز النظرية الماركسية او ما يسمى _بلحمة البنية العليا _ في المجتمع والعنصر المسيطر فيها .فما هو دور البنية العليا . هي بمثابة أداة دعائية للطبقة المسيطرة .فالمجتمع المدني عن طريق البنية العليا يستطيع الدفع بالمجتمع المدني نحو التطور والهيمنة .بمعنى إذا كان ماركس يجعل الطبقة العاملة أساس الصراع فغرامشي يعتبر المجتمع المدني يتشكل من البنية العليا .ووظيفته هي الهيمنة التي يقوم بها المثقفون الثوريون بشكل غير مباشر داخل المجتمع الذي يشمل _الأحزاب النقابات الصحافة ..._ووظيفة الهيمنة تكون بديلة لوظيفة المجتمع السياسي وهي وظيفة السيطرة المباشرة عن طريق البيروقراطية وأجهزة الدولة .
وينظر غرامشي للمجتمع المدني كجزء من البنية القومية ويميز في هذا الإطار بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي انطلاقا من وظائفهما _وظيفة المجتمع المدني هي الثقافة والإيديولوجية في حين المجتمع السياسي أداة للسيطرة عن طريق الإكراه البدني_والجديد عند غرامشي هو توظيفه لمفهوم المجتمع المدني في إطار بلورة نظرية سياسية جديدة وفعالة لانجاز الثورة الاشتراكية في الغرب وفقا للخصوصيات المحلية . فهو إذن يدعو الحزب الشيوعي إلى أن يسلك هذا الطريق أي استقطاب الجماهير والعمال عن طريق المثقفين الطليعيين وغرامشي يعتبر نجاح الثور البلشفية يعود لكون الدولة في روسيا .كانت تمثل كل شيء في مقابل ضعف وهشاشة المجتمع المدني .بينما الدولة في الغرب تتميز بانسجامها مع المجتمع المدني لذلك فالوصول إلى السلطة في الغرب يقتضي بناء إستراتيجية أخرى مخالفة لإستراتيجية البلاشفة وترتكز على الاستخدام العقلاني للاديولوجية _البنية الفوقية_لتحقيق الهيمنة بالاعتماد على المثقفين الثوريين أو الطلائعيين باعتبارهم هم رأسمال رمزي وذلك في النقابات والمدارس والمعاهد وغيرها في كل المجالات الاجتماعية .بعبارة أخرى أن المجتمع المدني بالنسبة لغرامشي ليس مجالا للمناقشة الاقتصادية مثل هيغل او الصراع الطبقي كماركس بل هومجال للتنافس الاديولوجي .
اذن المجتمع المدني هو الساحة او المعترك الذي تجرى بداخله الصراعات الايديولوجية _الفكرية_ومن هنا يصبح للمجتمع المدني محتوى ثقافي .اهمية المفهوم عند غرامشي هو انها انتقلت بالمفهوم من بعده النظري المحظ الى البعد التطبيقي .فقد تطور مفهوم المجتمع المدني بتطور المجتمعات الاوروبية .تطور من انظمة دينية الى انظمة سياسية ثم ظهر مفهوم المجتمع المدني مع نظرية الراسمالية الليبيرالية .ثم ظهرت النظرية الماركسية اعطت بعدا اخر للمجتمع المدني .لم يعد المجتمع المدني في اوروبا حاليا يشمل الاحزاب السياسية بل اصبح له دور مهم ويشكل قوة فعالة وكمثال اذا كان المجتمع المدني يرغب في نظام ما فانه يلغي اهمية المجتمع المدني _الديمقراطية الاجتماعية_في الفترة الحالية برز المفكر الالماني _هابرماس_يربط الديمقراطية بالمجتمع المدني ويرتكز على الفضاء العمومي الذي يعتبر مجالا لبلورة سلطة تواصلية والارادة العامة في نظره هي الارادة التي تتبلور وتخرج من صلب المجتمع .بعبارة اخرى ان المجتمع المدني اصبح يحتل الصدارة في المجتمع السياسي الاوروبي .
فهل نستيقظ نحن جبهاوة ذات يوم لنبلور هذا المفهوم للمجتمع المدني كما بلوروه الاوروبين سابقا.
المصدر. جزء من محاضرة احد اساتذتي عندما كنت طالبا .
ليس هناك كوبي كولي ........وانما كتبته بيدي حتى تقوس ظهري.

تحية على الجهد المبذول

مشكورعلى هده الافادة

يحتل العمل الجمعوي مكانة هامة في المجتمع . وتعرف مجالات عمل الجمعيات توسعا يوميا بعد اخر بحيث اصبح الفاعلون الجمعويون يغطون مجالات حساسة في حياة الناس . ويتحملون مسؤوليات جسيمة كانت الى امد قريب حكرا على الدولة .
فدور الجمعيات ما يعد مقتصرا على ملئ الفراغ او التنشيط . ولكن صارت محاضن للتربية ومدارس للتكوين والتاطير .واوراش العمل . ومؤسسات للتحسيس والتوعية . ووسيلة للتضامن والتكافل . وقناة للتاثير على صانعي القرار . وجبهة للنضال وصناعة راي عام . وعين الشعب التي تراقب اداء الماسكين بزمام السلطة واداة لاشراك كافة فئات الشعب في التاسيس والبناء . بل ان الجمعيات استطاعت في العديد من الدول ان تحقق ما عجزت السلطة والاحزاب عن تحقيقه .
وكم هي غصة في قلبي ان لا تجد مثل هده المبادرات في بلدي والجبهة بصفة خاصة . ولكي لا نكون سوداويين . اقول ان هناك بعض الامل في شباب هده القرية المنفية وسط جبال الريف .وعليهم نعتمد ونعول من اجل غد مشرق يطل على جبال الجبهة .

موضوع جيد

ممارسة الدولة للنشاط الجمعوي واحتوائها له....

الدولة المغربية ما زالت تناور من اجل عدم توفير المناخ المناسب لعمل الجمعيات . وتحاول احتواء الممارسة الجمعوية عبر تعديلات قانونية تكرس التراجع عن المكتسبات التي تم تحقيقها .
الدولة اصبحت تشعر بالقلق ازاء الحجم المتنامي للحياة الجمعوية . سواء من خلال جمعيات صورية . او من خلال مؤسسات الدولة لتوزيع الاعانات الرمضانية وغيرها .
السلطة ما زالت ترفض الاستجابة للنداءات المتكررة بضرورة توفير الاطار التشريعي الملائم والامكانيات التي تمكن الجمعيات من لعب دورها .
هناك ظاهرة الاسترزاق التي تمارسها بعض الجمعيات من اجل تمييع صورة العمل الجمعوي . خاصة بعد ان تبين لعدد من الدول الاجنبية ان منح المساعدات للدولة المغربية امر غير مجد . لتلجا الى التعامل مباشرة مع الجمعيات . وهو ما خلق نوعا من التسيب بسبب التهافت على الحصول على التمويل لاغراض ذاتية .
هناك نظرة تقليدية للدولة التي تتمسك بمفهوم سطحي للحداثة . وتتعامل مع الجمعيات على انها فاعل تغيير اجتماعي بالوكالة . مهمتها تعويض النقص الحاصل على مستوى السياسة الاجتماعية . وان الجمعيات انتقلت من مؤسسات للتثقيف والتربية الى مؤسسات تحمل مطالب اجتماعية بعد ان تحررت من الرهانات الحزبية رغم استمرار بعض جيوب المقاومة المخزنية التي تهدف الى خلق مصاعب متزايدة امام الممارسة الجمعوية .

المغرب لايوفر ولو نصاب صغير لكي تعمل الجمعيات بكامل راحتها لازال هناك تدخل في كل اعمال الجمعيات سواء منها الحقوقية او الرياضية او الثقافية ... هدا لايوفر مناخ مناسب لكي تقوم الجمعيات بدورها كمؤسسة للضغط مستقلة بذاتها .