ورد ذكر مدينة الجبهة بالجزء التاسع من «معلمة المغرب» الصادر سنة 1998، ذلك في الصفحتين 2920 و2921، بتوقيع الباحث بوشتى الفلاح، ورغم أن مركز الجبهة قد ظل حاضرا في قلب الشريط الساحلي للبلاد، باستقطابه لتجمعات سكنية هامة وبمساهماته الرائدة في الرد على جهود الغزو الإستعماري الإسباني لمنطقة الشمال خلال العقود الأولى من القرن 20، فإن هذا المركز القروي سابقا، ثم التجمع الحضري حاليا، قد ظل عرضة لتهميش فظيع ولعزلة قاتلة عمرت لعقود زمنية طويلة زادتها حدة صعوبة الظروف الطبيعية، خاصة على المستويات التضاريسية والمناخية، فجسدت ـ بذلك ـ جزءا من «مغرب غير نافع» تناساه «المركز» وتركه يواجه فقره وعريه بدون أدنى المقومات الضرورية لتحقيق تنمية مستدامة لفائدة الإنسان وبواسطة هذا الإنسان. وإذا كنا نسجل عودة الوعي الرسمي بضرورة إيلاء المنطقة ما تستحقه من عناية واهتمام، فإن مجال مدينة الجبهة لازال ينتظر المزيد من الجهود الداعمة الكفيلة بتلبية انتظـارات سكان المنطقة على شتى المستويات.
وبخصوص أهم المعطيات الجغرافية الواردة «بمعلمة المغرب»، فقد أجملها بوشتى الفلاح، قائلا: «الجبهة، مدينة شاطئية صغيرة تابعة لإقليم الشاون، تتوسط الساحل الريفي المطل على البحر المتوسط... كما توجد في مقدمة منطقة غمارة غرب رأس الصيادين، ورغم كونها تتوسط المسافة بين تطوان والحسيمة، فقد ظل سبيل الوصول إلى الجبهة، حتى منتصف الثمانينات، مقتصرا إما على على الطريق الثلاثية رقم 8500 التي تصلها بالطريق رقم 39 على مسافة 60 كلم، أو على البحر. انفتحت الجبهة إلى جانب بادس وقلعة طريس والنكور وسبتة ومليلية على البحر المتوسط لتمارس التجارة وتراقب مجالا بحريا ظل، لقرون عديدة، مصدر تهديد للأساطيل الرومانية وبعدها الصليبية الإسبانية، فتوفقت لذلك مرات وفشلت مرات أخرى. يرتبط موقع مدينة الجبهة بمجموعة من القبائل الغمارية تحيط بها (بني جميل، مسطاسة، متيوة، بني سميح، بني جرير، بني منصور، بني خالد...)، وبعنف الاتصال بين القارة والبحر، وبتغير السحنات الجيولوجية وقوة مفعول البناء الصخري ونوعية الأشكال المورفولوجية، وتعدد مظاهر الإثارة لدى زائرها من خلال عدة معطيات إضافية... يمتاز مناخ الجبهة بكونه متوسطا تقل فيه التساقطات (350 مم كمعدل سنوي) ويغلب عليه الفصل الجاف لأسباب عدة.. وانضاف لهذه السلبيات المناخية ما تعرض له الغطاء النباتي خلف الجبهة من اجتثاث ممنهج خلال القرن العشرين (سياسة الأرض المحروقة من طرف الإسبان أثناء حرب الريف، وحرائق مفتعلة لتفادي العمليات الفدائية في الخمسينات، تحايل السكان من أجل تملك الأرض في الربع الأخير من القرن العشرين).
وبذلك تحولت كل السفوح إلى أراض عراء، وهو ما يشكل خطورة قصوى على استقرار الأتربة والأنشطة الحيوية، وبالنظر إلى الفراغ النباتي المتزايد نتيجة أوضاع طبغرافية وبيئية متدهورة، يعرف الجريان المائي تصريفا «آنيا يؤدي أحيانا إلى احتمال وقوع مخاطر طبيعية ذات مخلفات كارثية من جراء قوة انحدار السفوح وعدم نفاذية الصخور وعنف التعرية التي تهدد المنشآت.
مستقبل الجبهة في فك عزلتها: تسج الكثافة السكانية حوالي الجبهة أدنى مستوياتها في جبال الريف، ومرد ذلك لأسباب منها، سيادة المناخ شبه الجاف، وقلة موارد المياه السطحية والباطنية، وقوة انحدار السفوح، واجتثاث الغابة والافتقارللتربة، وهجرة السكان إلى خارج المنطقة بحثا عن مصادر العيش، وانعدام الطرق ووسائل النقل. والواقع أن ارتباط الجبهة بتطوان (80 كلم) بواسطة الطريق الساحلي رقم 608 يعود إلى منتصف الثمانينات فقط، وبالطريق رقم 8310 التي تربطها بالطريق رقم 39 بين كتامة وباب برد إلى أوائل التسعينات، في حين يشهد الطريق المتقادم 8500 الذي ينزل رأسا من كتامة إهمالا ملحوظا استمر عشرات السنين. ومن شأن إكمال جزء من الطريق الساحلية الذي يفصل الجبهة عن بني جميل غرب بني بوفراج (حوالي 30 كلم) وربطه بالطريق رقم 610، تحقيق أحد أهم الإنجازات في الريف بعد طريق الوحدة. والنتيجة المنتظرة هي فك العزلة التي طالما عانى منها اقتصاد الساحل المتوسطي، وساكنة الجبهة وجبال الريف بل واقتصاد المغرب كله.
ظلت الجبهة على امتداد القرن العشرين عبارة عن تجمع سكاني متواضع وهي حاليا مدينة صغيرة بها عدة مقومات حضرية خاصة بعد ربطها بالطرق الساحلية القادمة من واد لاو. يتمثل نشاطها فيما تقوم به جماعة الجبهة وجماعة بني سميح من مشاريع وهي قليلة، وفي الخدمات المرتبطة ببعض المصالح الإدارية، بينما يختزل الميناءأهم نشاط اقتصادي منتج إذ يجمع إنتاج الصيد البحري ويسوقه في المناطق المجاورة. ويبقى ساحل الجبهة مجالا خصبا قابلا للاستثمار وتوظيف الجهود واستقبال عناصرالتهيئة والتعمير شريطة إعداد محكم. ونشير أخيرا إلى أن موقع الجبهة على ساحل يمتاز بالوعورة حال دونها وطرق المواصلات أواسط القرن العشرين.
وقد اكتسبت مؤخرا أهمية متنامية من تحسين البنيات الأساسية على امتداد الواجهة البحرية للريف الأوسط، خاصة الطرقية، ومن انفتاحها على البحر المتوسط. وهي تتطلب عناية حقيقية بالجوانب البيئية للسفوح المطلة على المدينة، بالمياه الإقليمية المتوسطية درءا لكل تلوث...».
وإضافة إلى المتن المعتمد، ألحق بوشتى الفلاح بعمله لائحة بيبليوغرافية ثرية وخريطة توطينية وصورة موضعية تاريخية لمركز الجبهة تعود إلى سنة 1939. وبذلك، أمكن تقديم خلاصات البحث الجغرافي الأكاديمي حول مدينة الجبهة، بارتباط مع شروط الفعل التنموي الكفيل بالارتقاء بأوضاع المنطقة.
المصدر جريدة الشمال.