حول أصول قبيلة متيوة

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

السلام عليكم

أود أولا أن أحيي تحية أخوية صادقة ملؤها التقدير الأخ المشرف الجبهاوي على بادرته الحسنة وكذلك باقي المشرفين على المنتدى ، اعترافا بجهودهم المستمرة لإغناء ساحات المنتدى والدفع به قدما .

بهده المناسبة ، يسعدني أن أقدم لأعضاء منتدى الجبهة نت الموقر ، ولزواره والمهتمين بالمنطقة بما فيهم الطلبة والباحثين ، نصاً يتحدث عن قبيلة مثيوة (بالثاء في النص الأصلي) نُشر باللغة الفرنسية في أواخر القرن التاسع عشر ، في كتاب عنوانه : المغرب المجهول . دراسة جغرافية واجتماعية . نشر الجزء الأول منه في سنة 1895 تحت عنوان استكشاف [بلاد] الريف ، والجزء الثاني سنة 1899 تحت عنوان استكشاف [بلاد] اجبالة .

ولربما يَقبلُ أهلُ الريف بطواعية دفع الضرائب المحصلة بطريقة منتظمة وعادلة ، تلك الضرائب التي يعتبرونها هدايا واجبة لحفيد نبي الإسلام ، أكثر مما يعتبرونها ضرائب إجبارية ، وعلاوة على ذلك فإن الحصص المعطاة له تبقى زهيدة ، لأن الجماعة تحددها انطلاقا من إمكانيات كل فرد من أفرادها ، بحيث لا تتجاوز أبدا بالنسبة للأغنياء منهم قدر 10 أو 15 فرنك فرنسي لكل سنة ، أما حصة الفقير فضئيلة جداً ، أي بضعة سنتيمات على الأكثر . ولسوء الحظ ، فإن القيَّاد وأعضاء الجماعة لا يشبعون أبدا ، ومطلقا ظالمون ، فيرهقون خصومهم بضرائب فادحة حينما يعفون أنصارهم من أدنى عبءٍ مادي . وهذا هو ما يفسر الفتنَ المستمرة بين قبائل الريف ، وقلة اعتبارهم للعاهل العاجز عن حمايتهم من شراهة القيَّاد ، نظاميين كانوا أو مستقلين

بقي أن أتمنى للجميع قراءة مفيدة لأن النص يستثيرنا ويفتح أمامنا بابا عريضا حول طبيعة السلطة والتسلط عبر تاريخ المغرب ، فهل ياترى نجد هنا بعض الأجوبة على الممارسات الامسؤولة لبعض من أنيط بهم الشأن العام ، حتي في الوقت الراهن ؟

مع تحياتي ومودتي

محال الموساتي

السلام عليكم
حلقة اليوم هي الحلقة قبل الأخيرة من نصنا بخصوص قبيلة مثيوة.

[ 4. من عواقب الحكم الذاتي ، السِّيبة : ]

ولذلك اتخذت بعض القبائل قرارا رزينا ، فاختصت نفسها بالحكم الذاتي . إذ تعين للقيام بهذه المهمة جماعةً تتلقى من القبيلة انتداباً إلزامياً لها بألاَّ تقتطع أية ضريبة ، فيقتصر دورها على قمع الجرائم بأية طريقة ، وعلى تمثيل القبيلة في علاقاتها الخارجية ، وفي الحالات القصوى على إصدار أحكام بالإعدام . ومع الأسف الشديد ، فإن أعضاء الجماعة ليسوا هم أنفسُهم ممن لا يمكن رشوتهم ، فممارسة السلطة تُنْشي نوابَ القبيلة ، فيتفقون في آخر المطاف مع بعضهم على استغلال أفراد الشعب عامة ، فتصبح الثورة عليهم ضرورية لكي ينتزعون منهم قوة السلطة التي يفرطون في استعمالها ، فتتضاعف الفتن والانتقامات وجرائم القتل .

وعندما تبلغ الفوضى ذروتها ، تحل اللحظة النفسية الحاسمة التي انتظرها السلطان بأناة . فبفضل الدسائس التي يدسُّها معتمدا في ذلك على بعض أتباعه ، ينتهي به الأمر إلى فرض كائنٍ من صنعِهِ على القبيلة الخارجة عن طاعته والتي أنهكتها الفوضى ، فيحصل في نهاية المطاف على الضرائب التي تأخر أداؤها ؛ وهي مهمة عويصةٌ يأخذ القائد المنصَّب مسؤوليتها على عاتقه .

وبما أنه لا يوجد في بلاد الريف أي تنظيم إداري ، فلن نتعجب إذن إذا علمنا أن السلطة القضائية غير معروفة في البلاد . يُعطى للطَّالب لقبُ القاضي ، بينما يعمل في حقيقة الأمر كاتباً يستعمل قلمه لتوثيق الأحداث الجديرة بالذكر في حياة الناس على الورق : عقود النكاح والطلاق ، وصفقات البيع والشراء...إلخ . أما التصدي للأعمال الإجرامية ، فليست من مسؤولية أحد بالذات ، إذ يتكلف أفراد عائلة الضحايا بأخذ الثأر لذويهم . وعلى مدى الريف فالانتقام مدرج في جدول أعمال السكان .

بيد أنه في بعض الأحوال ، لما تكتسي الجرائم طابعا فضيعا ، تتدخل الجماعة ، فالويل إذن لمن ستلاحقُه ، لأنها ستطاردُه وكأنها تطارد حيواناً وحشياً ، فيصبح مُرْغماً على العيش بين الأدغال إلى الأبد ، إذا هو لم يُقتل في غارة من غاراتها عليه . وحينئذ تصبح ممتلكاته مَرْتعاً لأعضاء الجماعة فينسبون لأنفسهم أكبر الحصص منها ، ويتركون للمدقعين من الناس بعض الأسمال والمهملات ، يقتسمونها بجشع فيما بينهم .

حكى لي هذه السنة ريفي من بني بوغافر ، إحدى فرق قبيلة قلعية ، قصته الشخصية ، وهي قصة معبرة في هذا السياق . اتُّهِمَ أخوه ظلما بجريمة قتل ، فأوقفه أعضاء الجماعة في عُقْرِ داره وأعدموه بالرصاص عن كثب ، على مرأى ومسمع من عائلته التي هَدَّها الرُّعب . وبحلول الليل ارتمى الريفيُّ في أحضان الغابة ، جارّاً معه ذويه الأقربين بما فيهم النساء والأطفال ، ثم شن على قتلة أخيه حربا مُبِيدة سقط فيها ستة من بني عمومته وخؤولته ، وسبعة عشر من بين أعدائه ، فلم يبق على قيد الحياة رجل من عائلته إلا هو . وبما أنه قتل رميا بالرصاص ثمانية من أعضاء الجماعة ، فلم يعد بإمكانه البقاء في أرض القبيلة ، فركب باخرة بمليلية وأتى إلى وهران بحثا عن بعض الطمأنينة فيها . منذ عشرة سنوات وهو يتحين الفرصة المواتية ، مترقبا حلولها لكي يعود إلى دياره ، مهووسٌ بفكرة ثابتة : أن يطلق النار من جديد على أعدائه المتبقين ، قبل أن يموت .

مع تحياتي ومودتي
محال الموساتي

السلام عليكم ،

بهذه الحصة ينتهي النص الذي خصصه أوكست مولييراس ، في كتابه المسرود في بداية هذه المشاركة ، لقبيلة مثيوة . ولقد أسعدني كثيرا عمل الترجمة الذي قمت به قصد إطلاع من يهتم بهذه القبيلة على بعض تاريخها .
وقد نتفق أو لا نتفق مع طروحات المؤلف ، وبلا شك يود البعض الرد عليه في بعض الأحيان ، فحبذا لو فعلوا ذلك معتمدين على ما بين أيديهم من وثائق ونصوص تتطرق لنفس هذا الموضوع .

[ 5. من صلاحيات الجماعة ومعلومات عامة : ]

منذ سنوات عديدة وقبيلة مثيوة بدون قائد ، فهذه الجمهورية الصغيرة قد اختصت نفسها بالحكم الذاتي ، معتمدة في ذلك على ممثلين عُيِّنوا في كل فرقة من فرقها . والجمع العام للجماعة لا يقام إلا في الحالات القصوى ، كالحسم في أمور الحرب والسلم ، وفرض الضرائب ، والحكم بالنفي على بعض المتهمين ؛ ولكل فرقة جماعتها المصغرة . وبالرغم من هذا الاستقلال فإن مثيوة تبعث الهدايا إلى السلطان من حين لآخر ، لكنها هدايا تبعثها لحفيد نبي الإسلام ، وليس ضرائب تؤديها دخولا تحت طاعته الدنيوية التي لا يهابها سكان الريف .

تقول رواية محلية قديمة أن المثيويين هم من أصل إسباني ، فقاماتهم أطول من معدل القامات ، وأذهانهم (...) لا تستسيغ الدَّعابة ، وعموما تُخْتم المناقشات بينهم بطلقات رصاصية .

يوجد عند الحدود الغربية للقبيلة ، غير بعيد عن البحر ، مناجم من الذهب والفضة ؛ فحقيقة مثيوة متاخمة لغمارة ، البلاد التي جمعت الطبيعة فيها أجمل الثروات المعدنية ، لكن سكانها لا يتقنون استغلال هذه المعادن الطبيعية . يجري في بلاد مثيوة واد واحد له بعض الأهمية ، وهو واد تثولا الذي ينبع في الربع الفوقاني ، ويجري من الشمال إلى الجنوب ، ليرتمي في البحر الأبيض المتوسط عند القلعة ، حيث يشكل هنالك مرفأ صغيرا ."

بفي لي أن أتمنى للجميع أسعد اللحظات وإلى فرصة قادمة .

مع تحياتي ومودتي
محال الموساتي