كاتب الموضوع | رسالة |
---|
nourdinfzouz مشرف
عدد الرسائل : 498 العمر : 35 الموقع : ووزكَان تقييم المشاركات : 3 تاريخ التسجيل : 11/03/2009
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الإثنين مارس 30, 2009 5:01 pm | |
| cooooooooooooooooooooooooool | |
|
| |
targiste مشرف
عدد الرسائل : 444 العمر : 41 الموقع : jebha تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 30/01/2009
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الخميس أبريل 02, 2009 6:56 am | |
| 30 ما رأيك؟ فقلت لها : دعي الأمر عند هذا الحد، فهنا لم يحدث شيء، ولكنه أفادني بالمقابل كدليل على عدم صلاحيتي لهذه الأمور. وبهذا المعنى تكون الطفلة على حق : فانا لم أعد أنفع . أغلقت الهاتف، مفعمًا بإحساس بالتحرر لم أعرفه في حياتي، وبمنجى، أخيرًا، من مهانة أبقتني تحت نيرها منذ كنت في الثالثة عشرة من عمري. في الساعة السابعة مساء كنت ضيف شرف على كونشيرتو جاك ثيبول وألفرد كورتو في قاعة الفنون الجميلة، في عزف مجيد لسوناتا الكمان والبيانو لسيسر فرانك، وقد أخذني المعلم بيدرو بيافا، موسيقينا العظيم، بما يشبه الجرجرة، إلى الكواليس، ليقدمني إلى العازفين . شعرت بانبهار شديد، حتى أنني هنأتهما على سوناتا لشومان لم يعزفاها، فصحح لي أحدهم خطأي أمام الملأ، وبصورة خبيثة . الانطباع بأنني خلطت بجهل بسيط بين السوناتتين، ظل مغروسًا في الجو المحلي، وزاد من الحرج أنني حاولت ترقيع الأمر، بتوضيح أرعن، في تعليقي النقدي على الكونشيرتو يوم الأحد التالي. أحسست لأول مرة في حياتي الطويلة بأنني قادر على قتل أحدهم . رجعت إلى البيت معذبًا بهذا الشيطان الصغير الذي يهمس في الأذن بالإجابات المفحمة التي لم ترد إلى ذهني في الوقت المناسب، ولم تخفف القراءة ولا الموسيقى من غضبي . لحسن الحظ أن روسا كاباركاس أخرجتني من ذلك الهذيان بصرخة أطلقتها عبر الهاتف : إنني سعيدة بالجريدة لأنن ي لم أكن أظن انك أكملت التسعين وإنما المئة . فأجبتها مغتاظًا: أبمثل هذا التهالك رأيتِني؟ فقالت هي : بالعكس، فما فاجأني هي رؤيتك في أحسن حال . ويا لروعة أنك لست من المسنين المتصابين الذين يزيدون عمرهم، ليراهم الآخرون في حالة حسنة . ثم غيرت الموضوع دون تمهيد : لقد أعددت لك هديتك. فاجأتني بذلك حقًا: وما هي؟ فقالت: الطفلة. 31 لم أتريث لحظة واحدة للتفكير، وقلت : شكرا، فهذا الأمر انتهى . لكنها واصلت الكلام، متجاوزة ما قلته : سأرسلها إليك في بيتك، ملفوفة بورق صيني، ومسلوقة مع عود صندل على البخار، وكل هذا مجانًا. بقيت متشبثًا بموقفي، وانهمكت هي في تفسير عويص، بدا لي مخلصًا. قالت إن الطفلة كانت في حالة بالغة السوء في يوم الجمعة ذاك، لأنها أنجزت خياطة مئتي زر بالإبرة والكشتبان . وصحيح أنها كانت خائفة من الاغتصاب الدموي، ولكنها دربت الآن للتضحية . وأنها استيقظت في ليلتي معها، لتذه ب إلى الحمام، ووجدتني أغط في نوم عميق، فأشفقت أن توقظني، وعندما استيقظت ثانية في الصباح كنت قد غادرت . غضبت لما بدا لي أنه كذب بلا طائل. فواصلت روسا كاباركاس : حسن، حتى لو كان الأمر كذلك فإن الطفلة نادمة . يا لها من مسكينة. إنها هنا أمامي. أتريد التكلم معها؟ فقلت لها: لا، بالله عليك. كنت قد بدأت الكتابة، عندما اتصلت سكرتيرة الجريدة . وكانت الرسالة هي أن المدير يريد رؤيتي في اليوم التالي، الساعة الحادية عشرة صباحًا. ذهبت في الموعد الدقيق. كانت جلبة ترميم البناء لا تحتمل، فالهواء مخلخل بضربات مطارق وغبار اسمنتي، ورائحة قطران، ولكن المحررين كانوا قد اعتادوا على التفكير وسط روتين الفوضى. أما مكاتب المدير بالمقابل، فكانت باردة وهادئة، إنها في بلاد مثالية ليست بلادنا. نهض ماركو توليو الثالث واقفًا بهيئته المراهقة حين رآني أدخل، ودون أن يقطع محادثة هاتفية، شد على يدي من فوق منضدة المكتب، وأومأ إلي بأن أجلس . توصلت إلى التفكير في أنه لا وجود لأحد في الجانب الآخر من الخط، وأنه يقوم بهذه المهزلة لإبهاري، ولكنني سرعان ما تبينت أنه يتكلم مع المحافظ، وكان حوارًا صعبًا في الحقيقة، بين عدوين حميمين . وأظن أنه فوق ذلك، كان يسعى إلى أن يبدو حازمًا أمامي، مع أنه ظل واقفًا وهو يتكلم إلى السلطة. ............ | |
|
| |
targiste مشرف
عدد الرسائل : 444 العمر : 41 الموقع : jebha تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 30/01/2009
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز السبت أبريل 04, 2009 7:13 am | |
| 32 كانت تبدو عليه رذيلة العناية بحسن هندامه . فقد أكمل التاسعة والعشرين من عمره، ولديه أربع لغات، وثلاث شهادات خبرة دولية، على عكس الرئيس الأول مدى الحياة، جده لأبيه، الذي صار صحفيًا تجريبيًا بع د أن جمع ثروة من تجارة الرقيق الأبيض. إنه لطيف في التعامل، مشهور بأنه أنيق وهادئ، والصوت الوحيد الذي يعرض مهابته للخطر هي نبرة زائفة في صوته . يرتدي سترة رياضية على ياقتها زهرة أوركيدا حية، وكل شيء فيه يوحي بأنه جزء من كيانه الطبيعي، ولكن ليس فيه ما هو مخلو ق لأجواء الشارع، وإنما لربيع مكاتبه وحسب . وأنا الذي أنفقت قرابة الساعتين لكي أرتدي ملابسي أحسست بخزي الفقر وتفاقمت حدة غضبي. ومع ذلك فقد كان السم القاتل في صورة بانورامية جماعية للعاملين في الجريدة، ملتقطة في الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيسها، مشارًا فيها بصليب فوق رؤوس من ماتوا . كنت أنا الثالث إلى اليمين في الصورة، بقبعة قش مسطحة الحواف وربطة عنق ذات عقد كبيرة، مع لؤلؤة في المشبك، وشاربي الأول الشبيه بشارب كولونيل مدني، والذي كان لي حتى سن الأربعين، ونظارة طالب معهد ديني معدنية لم أعد أحتاجها بعد تجاوزي نص ف القرن . لقد رأيت هذه الصورة من قبل معلقة في مكاتب عديدة، ولكنني لم أتحسس رسالتها إلا في تلك اللحظة : من الثمانية وأربعين موظفًا الأصليين لم يبق سوى أربعة على قيد الحياة . وأصغرنا يقضي عقوبة بالسجن عشرين سنة لجريمة قتل متعدد. أنهى المدير المكالمة وفاجأني وأنا أنظر على الصورة فابتسم قائلا: الصلبان لم أضعها أنا، وأظن أنها مزعجة . جلس إلى المكتب وبدل نبرة صوته : اسمح لي أن أقول لك إنك أكثر الرجال الذين عرفتهم تهورًا. وحيال مفاجأتي قال مستبقًا كل شيء: أقول هذا بسبب استقالتك . وتمكنت من أن أقول له : إنها حياة كاملة. فرد هو بأن هذا بالضبط هو السبب في عدم كون الاستقالة هي الحل المناسب . فقد بدت له المقالة رائعة، وكل ما تقوله عن الشيخوخة هو من أفضل ما قرأه على الإطلاق 33 وليس هناك من معنى لإنهائها بقرار يبدو أشبه بإعلان موتي مدنيًا. وقال : لحسن الحظ أن (رجل الساعة التاسعة البغيض) قرأها، بعد أن كانت صفحة الافتتاحية مخرجة، وبدت له غير مقبولة . ودون أن يبحث الأمر مع أحد شطبها من أعلاها إلى أسفلها بقلمه التوركيمادي، وعندما علمت بالأمر هذا الصباح أرسلت ملاحظة احتجاج إلى مكتب المحافظ . هذا هو واجبي، ولكن يمكنني أن أقول لك بيننا إنني شاكر جدا لتعسف الرقيب . مع أنني لم أكن مستعدًا لآن أوافق على شطبه المقالة . وقال: أتوسل إليك من أعماق روحي . لا تغادر السفينة في عرض البحر . ثم أنهى بأسلوب بديع: ما زال لدينا الكثير لقوله في الموسيقى. رأيت أنه مصمم جدًا، فلم أتجرأ على زيادة حدة الاختلاف بحجة مسلية. المشكلة في الواقع هي أنني لم أجد آنذاك أيضا سببًا محترمًا لمغادرة الناعورة، وقد أرعبتني فكرة القول له نعم مرة أخرى، لمجرد كسب الوقت . وكان علي أن أكبح نفسي كيلا يبدو عل ي التأثر اللعين الذي يستعجل الدموع . ومرة أخرى كالعادة ظللنا على ما كنا عليه، بعد كل تلك السنوات الطويلة. في الأسبوع التالي، وبينما أنا ضحية حالة هي أقرب إلى التشوش منها إلى السعادة، مررت بمتجر الحيوانات لآخذ الهر الذي أهداه إلي الطباعون . ليس لدي ميل طبيعي إلى الحيوانات، وهو الإحساس نفسه الذي أشعر به تجاه الأطفال قبل أن يبدؤوا التكلم، لأنهم يبدون لي بكم الروح . لست أكرههم، ولكنني لا أستطيع تحملهم، لأني لم أتعلم التعامل معهم . يبدو لي أمرًا مخالفًا للطبيعة أن يتمكن رجل من التفاهم مع كلبه أكثر من تفاهمه مع زوجته، فيعلمه الأكل وعدم الأكل في مواعيد محددة، والرد على أسئلته ومشاطرته أحزانه . ولكن امتناعي عن أخذ هر الطباعين، يمكن له أن يكون كارثة . أضف إلى ذلك : أنه قط أنغورا بديع، له وبر وردي مصقول، وعينان لامعتان، ويبدو مواؤه كما لو أنه على وشك أن يكون كلامًا. قدموه لي في سلة من الخيزران | |
|
| |
targiste مشرف
عدد الرسائل : 444 العمر : 41 الموقع : jebha تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 30/01/2009
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الإثنين أبريل 06, 2009 5:50 am | |
| 34 مع شهادة لسلالته، وكراس استخدام مثل الذي يقدم مع الدراجات لتركيبها. كانت هناك دورية عسكرية تدقق في وثائق إثبات شخصية العابرين قبل السماح لهم بالمرور عبر حديقة سان نيكولاس . لم أر قط شيئًا مماثلا، ولا يمكنني أن أتصور شيئًا أشد تثبيطًا للعزيمة كعلامة على شيخوختي . كانت دورية من أربعة شرطيين، يقودها ضابط يكاد يكون مراهقًا. كان الشرطيون رجالا من المناطق الباردة، قساة صامتين، ولهم رائحة إسطبل، وكان الضابط يراقبهم جميعًا بخديه الأنديزيين المحروقين على الساحل . بعد تفحص بطاقة هويتي وبطاقة اعتمادي الصحفية سألني عما أحمله في السلة . فقلت له : هِر. أراد رؤيته . فرفعت غطاء السلة بكل حذر، خوفا من أن يهرب، ولكن شرطيً ا أراد أن يرى إذا لم يكن هناك شيء آخر، في قاع السلة، فوجه إليه القط ضربة من مخالبه . تدخل الضابط قائلا : إنه هر أنغورا ثمين . وداعبه بينما هو يتمتم بشيء، فلم يهاجمه القط، ولكنه لم يوله اهتمامه أيضًا. سألني: كم سنة عمره؟ ف قلت له : لا أدري، لقد أهدي إلي للتو . قال: إنني أسأل لأنه يبدو مسنًا جدًا، ربما عمره عشر سنوات . أردت أن أسأله كيف يعرف ذلك وأشياء كثيرة أخرى، ولكن غيظي من أسلوبه المهذب، وطريقته المتدفقة في الكلام، أشعرتني بأنه ليس لدي معدة لتحمل التحدث إليه . وقال: يبدو لي أ نه هر مهجور، تبادله أناس كثيرون. لن تجعله يتكيف معك، وإنما أنت الذي ستتكيف معه . اتركه على هواه، إلى أن تكسب ثقته . أطبق غطاء السلة، وسألني : ماذا تشتغل حضرتك؟ صحفي . منذ متى؟ فقلت له : منذ نحو قرن . شد على يدي وودعني بعبارة يمكن لها أن تكون نصيحة طيبة أو تهديدًا على السواء: - انتبه لنفسك. فصلت الهاتف عند الظهيرة كي ألوذ بالموسيقى في برنامج بديع : رابسودية
كلارينيت وأوركستا لفاغنر، وساكسيفون لديبوس، والخماسي الوتري لبروكنر، وهذه الأخيرة هي سكينة عدنية في كارثية أعماله. 35 ووجدت نفس ي محاطً ا بظلمة المكتب . أحسست بشيء ينسل تحت طاولتي، لم يكن جسدًا حيًا وإنما حضورًا خارقًا للطبيعة احتكّ بقدمي، فقفزت صارخًا. كان الهرّ بذيله الوبري البديع، وتثاقله الغامض، وسلالته الأسطورية، ولم أستطع كبح قشعريرة إحساسي بأنني وحيد في البيت، مع كائن غير بشري. عندما دقت الساعة السادسة في الك اتدرائية، كانت هناك نجمة وحيدة ونظيفة في السماء ذات اللون الوردي، أطلقت سفينة صفير وداع محزون، وأحسست في حلقي بعقدة من المستحيل حلها، لكل الغراميات التي كان يمكن لها أن تكون ولم تكن . لم أستطع تحمل المزيد . رفعت سماعة الهاتف وقلبي في فمي، وأدرت الأرقام الأربعة ببطء شديد كيلا أخطئ، ولدى الرنين الثالث تعرفت على الصوت . حسن يا امرأة، قلت لها بزفرة ارتياح، وتابعت: اعذريني على نزقي هذا الصباح . فقالت بهدوء : لا تقلق، كنت أنتظر مكالمتك، فنبهتها : أريد أن تنتظرني الطفلة مثلما ألقى الله بها إلى الدنيا، ودون أصبغة على وج هها. ضحكت هي ضحكة مجلجلة، وقالت : كما تشاء، ولكنك ستفقد متعة تعريتها قطعة فقطعة، مثلما يفتتن المسّنون، ولست أدري السبب . فقلت: أما أنا فأعرفه: لأنهم يشيخون أكثر فأكثر. واعتبرت هي الأمر ناجزًا. فقالت: - حسن، هذه الليلة إذن، في العاشرة تمامًا، قبل أن تبرد السمكة. | |
|
| |
akh lmchaheb عضو فعّال
عدد الرسائل : 63 العمر : 49 الموقع : www.google.com تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 19/03/2009
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الإثنين أبريل 06, 2009 6:13 am | |
| واااااااااااااااااااااااااااااااااااههههههههههههههههددددددددددددفففففففففففففففففففففففففففففففففف. | |
|
| |
السونتراوي مشرف
عدد الرسائل : 1104 الرتبة : 4 تقييم المشاركات : 2 تاريخ التسجيل : 17/08/2007
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الإثنين أبريل 06, 2009 9:13 am | |
| رواية حد جميلة اني اتابعها منذ ان بدأت في نشرها على صفحات منتدى الجبهةة نت | |
|
| |
targiste مشرف
عدد الرسائل : 444 العمر : 41 الموقع : jebha تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 30/01/2009
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الإثنين أبريل 06, 2009 4:49 pm | |
| عندك مع الروايات اخاي السنتراوي | |
|
| |
start79 عضو متقدم
عدد الرسائل : 160 الرتبة : 19 تقييم المشاركات : 1 تاريخ التسجيل : 06/10/2007
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الثلاثاء أبريل 07, 2009 1:29 pm | |
| | |
|
| |
targiste مشرف
عدد الرسائل : 444 العمر : 41 الموقع : jebha تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 30/01/2009
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الخميس أبريل 09, 2009 10:47 am | |
| الفصل الثالث كيف يمكن أن يكون اسمها؟ صاحبة المحل لم تخبرني به . عندما حدثتني عنها لم تكن تسميها إلا : "الطفلة". وقد حولته أنا إلى اسم شخصي، كما هي طفلة العينين [بؤبؤ العين ]، أو السفينة الطفلة [أصغر سفن كولومبس الثلاث ]. وروسا كاباركاس تضع لفتياتها، فوق ذلك، اسمً ا مختلفً ا مع كل زبون . وقد كنت أستمتع بتخمين أسمائهن من خلال ملامح وجوههن . ومنذ البدء كنت متأكدً ا من أن للطفلة اسمً ا طوي ً لا، مثل فيلومينا، أو ساتورنينا، أو نيكولاسا . كنت مستغرقً ا في التفكير في هذا الأمر عندما انقلبت هي نصف دورة، في السرير، وصارت تو ليني ظهرها، بدا لي كما لو أنها قد خلفت، في حركتها، بركة دم لها حجم جسدها وشكله . كانت مفاجأة آنية، إلى أن أدركت أنه بلل العرق على الملاءة. كانت روسا كاباركاس قد نصحتني بأن أعاملها بحرص، لأن خوف المرة الأولى ما زال مسيطرً ا عليها . بل أكثر من ذلك، أظن أن مهاب ة هذا الطقس قد فاقمت من خوفها، وكان عليها أن تزيد لها جرعة الفاليريانا المهدئة . لأنها كانت تنام بوداعة، 36 يبدو من المحزن معها إيقاظها دون تهديل . وهكذا رحت أمسح عرقها بالمنشفة، وأنا أغني لها هامسًا أغنية دليغادينا، ابنة الملك الصغرى، التي جاهر أبوها بحبها . وكلما مسحت مكانًا، كانت تكشف لي جانبًا آخر متعرقًا، على إيقاع أغنيتي : (ديلغادينا، أنت ستكونين محبوبتي العزيزة ). كانت متعة بلا حدود، فقد كان أحد جانبيها يتعرق من جديد، عندما أنتهي من مسح الجانب الآخر، كيلا تنتهي الأغنية أبدًا. وغنيت في أذنها: (انهضي يا ديلغاد ينا، والبسي تنورتك الحريرية ). وأخيرًا عندما وجدها خدم الملك ميتة من العطش في فراشها، بدا لي أن طفلتي على وشك أن تستيقظ وهي تسمع الاسم: إنها هي إذن: ديلغادينا. رجعت إلى السرير بسروالي الداخلي المطبع بالقبلات، واستلقيت بجانبها . نمت حتى الخامسة على هدهدة تنفسها الهادئ . ارتديت ملابسي بأقصى سرعة دون أن أغتسل، 37 وعندئذ فقط رأيت الكتابة، بقلم أحمر الشفاه، على مرآة المغسلة : (النمر لا يأكل بعيدًا). أعرف أن هذه الكتابة لم تكن موجودة في الليلة السابقة، وأنه لا يمكن أن يكون أحد قد دخل الغرفة، فاعتبرتها معلقة الشيطان . فاجأني عند الباب رعد مرعب، وامتلأت الحجرة برائحة التراب المبلل المنذرة . لم أجد الوقت الكافي للهرب سليمًا. فقبل أن أعثر على سيارة أجرة هطل وابل عظيم . من تلك الأمطار التي تنشر الفوضى في المدينة بين شهري أيار وتشرين الأول . فشوارع الرمل الملتهب التي تنحدر باتجاه النهر، تحولت إلى سيول تجرف كل ما تجده في طريقها . يمكن لمياه أيلول الغريبة تلك بعد ثلاثة أشهر من الجفاف، أن تكون آتية من العناية الإلهية أو مدمرة على السواء. منذ أن فتحت باب البيت، خرج للقائي إحساس مادي بأنني لست وحدي . تمكنت من رؤية نذر الهر الذي قفز عن الصوفا وتوارى في الشرفة . كانت لا تزال هناك في طبقه بقايا طعام لم أقدمه أنا إليه . وكانت رائحة بوله الزنخ وبرازه الساخن تلوث كل شيء. كنت قد عكفت على دراسته، مثلما درست اللغة اللاتينية . الكراس المرجعي يقول إن القطط تحفر في الأرض، لإخفاء برازها، وفي البيوت التي ليس فيها فناء مثل هذا البيت يفعل القط ذلك في أصص نباتات الزينة، أو في ركن خفي آخر، والحل المناسب هو أن يؤمن له . منذ اليوم الأول صندوق مملوء بالرمل، لتوجيه عاداته، وهذا ما فعلته . ويقول الكراس أيضًا إن أول ما تفعله القطط في بيت جديد، هو تحديد مجالها الخاص، بالتبول في كل الأنحاء، وربما كان هذا هو الوضع الذي أواجهه. ولكن الكراس لا يشير إلى كيفية معالجة ذلك . تتبعت آثاره كي أتآلف مع عاداته الأصلية، ولكنني لم أصل إلى مخابئه السرية وأماكن راحته، وأسباب تقلب أهوائه، أردت تعليمه الأكل في مواعيد محددة واستعمال صندوق الرمل على الشرفة وعدم الصعود إلى سريري وأنا نائم، وعدم تشمم الأطعمة على المائدة، ولم أتمكن من جعله يفهم أن هذا البيت له كحق شرعي وليس كغنيمة حرب . ولهذا تركته على هواه........... | |
|
| |
targiste مشرف
عدد الرسائل : 444 العمر : 41 الموقع : jebha تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 30/01/2009
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الجمعة أبريل 10, 2009 1:53 pm | |
| 38 عند الغروب واجهت وابل المطر، وكانت رياحه الإعصارية تهدد باقتلاع البيت . عانيت من نوبة عطاس متتال، وأصبت بألم في رأسي وبحمى، ولكنني كنت أشعر بامتلاك قوة وتصميم لم أمتلك مثلهما في أي مرحلة عمرية أخرى، ولا في سبيل أية قضية. وضعت قدورًا على الأرض، لالتقاط الماء المتسرب من ثقوب السقف، وانتبهت إلى أن هناك ثقوبًا أخرى قد ظهرت منذ الصيف الفائت . أكبرها بدا يغرق الجانب الأيمن من المكتبة . سارعت إلى إنقاذ الكّتاب الإغريق واللاتينيين الذين يعيشون في ذلك الجانب، ولكنني ما إن رفعت الكتب حتى وجدت تدفق ماء عالي الضغط، يخرج من أنبوب مكسور داخل الجدار . خففت من التدفق بخِرق، قدر استطاعتي، كي اتيح لنفسي الوقت لإنقا ذ الكتب . ازداد صخب الماء وعويل الريح في الحديقة . وفجأة ملأ برق شبحي ورعده المرافق الجو برائحة كبريت قوية . هشمت الريح زجاج الشرفة . وكسرت عاصفة البحر العاتية الأقفال ودخلت إلى البيت. ومع ذلك وقبل انقضاء عشر دقائق، توقف المطر فجأة . جففت شمس بديعة الشوارع الممتلئة بأنقاض جانحة، ورجع الحر. عندما انقطع وابل المطر، كنت لا أزال على إحساسي بأنني لست وحيدًا في المنزل . تفسيري الوحيد هو أنه مثلما هناك وقائع واقعية ُ تنسى، فإن هناك أيضًا وقائع لم تحدث قط، ويمكن لها أن تظل في الذاكرة، كما لو أنها حدثت فعلا. والمسألة أنني عندما أستذكر التعجل الذي تصرفت به خلال وابل المطر، فإنني لا أرى نفسي وحيدًا في البيت، وإنما برفقة ديلغادينا على الدوام . شعرت بها قريبة جدًا مني في تلك الليلة، حتى أنني أحسست بإيقاع أنفاسها في غرفة النوم، وبنبض خدها على وسادتي، وهكذا فقط أدركت كيف أمكن لنا أن نفعل أشياء كثيرة في مثل ذلك الوقت الكثير. أتذكر نفسي وأنا أقف فوق مقعد المكتبة الذي بلا مسند، وأتذكرها مستيقظة بفستانها المطبع بأزهار تتلقى الكتب مني لتضعها في مكان آمن . أراها تركض من جانب إلى آخر في البيت، وهي تصارع العاصفة، مبللة بالمطر وبماء الأنابيب . أتذكر كيف أعدت في صباح اليوم التالي فطورًا لم يكن قط، وكيف رتبت المائدة وأنا أمسح الماء من أرضية الغرف، | |
|
| |
targiste مشرف
عدد الرسائل : 444 العمر : 41 الموقع : jebha تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 30/01/2009
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الثلاثاء أبريل 14, 2009 6:01 am | |
| 39 وأرتب البيت الغارق . لم أنس قط نظرتها المكفهرة، ونحن نتناول الفطور : لماذا تعرفت إل ي وأنت عجوز؟ وأجبتها بالحقيقة : ليست السن هي ما بلغه أحدنا من العمر، بل ما يشعر به. منذ ذلك الحين صارت موجودة في ذاكرتي، بوضوح يمكنني معه أن أفعل بها ما أشاء. أبدل لون عينيها حسب حالتي المعنوية : لون الماء عند الاستيقاظ، لون قطر القصب حين تضحك، لون الضوء عندما أعارضها . وألبسها حسب السن والظروف التي تتلاءم مع تبدلات مزاجي : ثياب عروس محبة في العشرين، وعاهرة صالون في الأربعين، وملكة بابلية في السبعين، وقديسة في المئة . نغني ثنائيا ت حب على موسيقى بوتشيني، وألحان بوليرو لأوغسطين لارا، وأغنيات تانغو لكارلوس غارديل، ونبرهن لنفسينا مرة أخرى أن من لا يغنون لا يمكنهم أن يتصوروا، مجرد تصور، ما هي سعادة الغناء . اليوم أعلم أن ذلك لم يكن أضغاث أحلام، وإنما معجزة أخرى من معجزات حب حياتي الأول، وأنا في التسعين. عند الانتهاء من ترتيب البيت، اتصلت بروسا كاباركاس، فهتفت حين سمعت صوتي: يا للرب المقدس ! ظننت أنك قد غرقت . ولم يكن بإمكانها تفهم كيف أنني عدت لقضاء ليلة أخرى مع الطفلة، دون أن ألمسها . لك كامل الحق في ألا تعجبك، ولكن عليك أن تتصرف كراشد . حاولت أن أوضح لها ولكنها بدلت الموضوع دون تمهيد: لقد وجدت لك على أي حال واحدة أخرى، أكبر قليلا، جميلة وعذراء كذلك . أبوها يريد استبدالها ببيت ولكن يمكننا المساومة على تخفيض . تجمد قلبي . لم يكن ينقصني إلا هذا، اعترضت مذعورًا دون إخفاق كالعادة ودون مشاجرات ودو ن ذكريات سيئة . ساد الصمت خط الهاتف، وأخيرًا جاء الصوت المذعن الذي قالت به كما لو أنها تكلم نفسها: حسن، لا بد أن هذا هو ما يسميه الأطباء عته الشيخوخة. ..يتبع | |
|
| |
adams13 عضو مميز
عدد الرسائل : 225 العمر : 39 الموقع : tetouan تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 05/05/2008
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الثلاثاء أبريل 14, 2009 8:26 am | |
| حناااااااااااااااااااا لغولالالالالالالالالالالالالالالا | |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الثلاثاء أبريل 14, 2009 9:51 am | |
| هاد الشي ماشي فالمستوى ديالك adams13 مشي شوف ليك شي فيلم هندي |
|
| |
السونتراوي مشرف
عدد الرسائل : 1104 الرتبة : 4 تقييم المشاركات : 2 تاريخ التسجيل : 17/08/2007
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الثلاثاء أبريل 14, 2009 3:05 pm | |
| تشوقنا يا التارجيستي بكلمة يتبع .. حينما ستكتب مرة اخرى اكون قد بدات تتلاشى من ذاكرتي بدايتها، واعود لأقرا صفحتين سابقتين لكي ابقى عارف بمجريات القصة
مني اليك تحية صديقي التارجيستي | |
|
| |
targiste مشرف
عدد الرسائل : 444 العمر : 41 الموقع : jebha تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 30/01/2009
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الثلاثاء أبريل 14, 2009 4:01 pm | |
| مدكون غير على خاطرك اخاي السنتراوي | |
|
| |
fatimafirst عضو جديد
عدد الرسائل : 32 العمر : 33 الموقع : rabat تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 07/12/2008
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الأربعاء أبريل 15, 2009 8:43 am | |
| | |
|
| |
targiste مشرف
عدد الرسائل : 444 العمر : 41 الموقع : jebha تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 30/01/2009
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الأربعاء أبريل 15, 2009 3:19 pm | |
| 40 ذهبت في العاشرة ليلا، مع سائق معروف بفضيلة عدم توجيه أسئلة غريبة . أخذت معي مروحة نقالة، ولوحة لأورلاندو ريفيرا، العزيز (فيغوريتا)، ومطرقة ومسمارا لتعليق اللوحة . توقفت في الطريق لشراء فرشاة أسنان ومعجون وصابون معطر، وماء كولونيا، وأقراص عرق سوس . وأردت أن آخذ كذلك مزهرية جيدة، وباقة أزهار صفراء لطرد بلاهة الأزهار الورقية، ولكنني لم أجد محلا مفتوحًا، فاضطررت إلى أن أسرق من حديقة خاصة، باقة أزهار أستروميلا حديثة التفتح. وبناء على تعليمات صاحبة المحل، صرت أدخل من ذلك اليوم من الشارع الخلفي، من جهة المجرى المائي، كيلا يراني أحد داخلا من البوابة المطلة على البستان . وقد حذرني السائق : حذار أيها العالم . ففي هذا البيت يقتلون . وأجبته: ليس مهما، إذا كان القتل قتلا بدافع الحب . كان الفناء مظلمًا، إلا أنه كانت هناك أنوار حياة في النوافذ، وصخب موسيقى في الحجرات الست . وفي حجرتي، بصوت أعلى من الأخريات، ميزت الصوت الدافئ لبيدرو بارغاس، تينور أميركا، في لحن بوليرو لميغل ماتاموروس. أحسست أنني سأموت . دفعت الباب بأنفاس مقطوعة، ورأيت ديلغادينا في السرير، مثلما هي في ذكرياتي: عارية ونائمة في سلام مقدس على جانب قلبها. وقبل أن أستلقي في السرير رتبت خوان الزينة، ووضعت المروحة الجديدة محل الصدئة، وعلقت اللوحة حيث يمكنها رؤيتها من السرير. استلقيت إلى جوارها، وتفحصتها شبرًا فشبرا. إنها هي نفسها التي كانت تجوب أنحاء بيتي : اليدان نفسهما اللتان تتعرفان إليّ باللمس في الظلام، القدمان نفسهما بخطواتهما الخفيفة التي يمكن الخلط بينها وبين خطوات القط، رائحة العرق نفسها التي تفوح من ملاءاتي، وأص بع الكشتبان. أمر لا يصدق : فأنا أراها وألمسها وهي من لحم وعظم فتبدو لي أقل واقعية مما هي عليه في ذكرياتي. 41 قلت لها: توجد لوحة على الجدار المقابل، رسمها فيغوريتا، وهو رجل أحببناه كثيرًا، وأفضل راقص مواخير وُجد على الإطلاق، وطيب القلب إلى حد أنه كان يشفق على الشيطان، رسمها بورنيش السفن على كتان محترق الأطراف، من طائرة انفجرت في جبال سييرا نيفادا، بالقرب من مدينة سانتا مارتا، وبرياش صنعها بنفسه من وبر كلب. المرأة المرسومة هي راهبة اختطفها من دير وتزوجها. إنني أترك اللوحة هنا لتكون أول شيء ترينه عندما تستيقظين. لم تكن قد بدلت وضعها عندما أطفأت النور في الواحدة بعد منتصف الليل، وكان تنفسها خفيفًا إلى حد أنني أمسكت معصمها، لأجس نبضها وأتأكد من أنها حية . كانت الدماء تنساب في عروقها بتدفق أغنية تتفرع حتى أكثر الأركان خفية في جسمها، وتعود إلى القلب المطهر بالحب. وقبل أن أغادر عند الفجر رسمت خطوط راحة يدها على ورقة، وقدمتها إلى العرافة ديفا ساهبي لمعرفة روحها. فكانت هكذا: إنها خطوط يد شخصية لا تقول إلا ما تفكر فيه . وهي مؤهلة تماما للأعمال اليدوية . كانت لها اتصالات مع شخص مات، وهي تنتظر مساعدة منه، ولكنها مخطئة : فالمساعدة التي تبحث عنها في متناول يده ا. لم تقم أي ارتباط ولكنها ستموت متقدمة في السن ومتزوجة . لديها الآن رجل أسمر، لن يكون رجل حياتها. وسيكون بإمكانها أن تنجب ثمانية أبناء، ولكنها ستقتصر على ثلاثة فقط . في الخامسة والثلاثين من عمرها ستفعل ما يمليه عليها القلب و ليس العقل، وسيكون لديها مال كثير، وفي الأربعين ستتلقى ميراثًا. ستسافر كثيرًا. لها حياة مزدوجة وحظ مزدوج، ويمكن لها أن تؤثر على قدرها. تحب أن تجرب كل شيء بدافع الفضول، ولكنها ستندم إذا لم تأخذ بتوجيهات قلبها. ومعذبًا بالحب قمت بإصلاح الأضرار التي سببتها العاصفة وانتهزت الفرصة لإجراء ترميمات كثيرة كنت أؤجلها منذ سنوات، لعدم القدرة على تكاليفها أو بسبب الإهمال والتراخي . | |
|
| |
targiste مشرف
عدد الرسائل : 444 العمر : 41 الموقع : jebha تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 30/01/2009
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الجمعة أبريل 17, 2009 6:01 am | |
| 42 أعدت تنظيم المكتبة، وفق الترتيب الذي قرأت فيه الكتب . وأخيرًا بعت الأرغن الميكانيكي في مزاد، كتحفة تاريخية، مع لفافاته الموسيقية الكلاسيكية التي تزيد على مئة واشتريت فونوغرافا مستعملا، لكنه أفضل من الذي لديّ، مع مكبرات صوت عالية الدقة، ضخمت أجواء البيت . فصرت على حافة الإفلاس، ولكن مع تعويض جيد، بمعجزة بقائي حيًا وأنا في هذه السن . كان البيت يولد من رماده، وأنا أبحر في حب ديلغادينا بزخم وسعادة لم أعرفهما قط في حياتي السابقة. وبفضلها تواجهت أول مرة مع كياني الطبيعي فيما سنتي التسعون تمضي . اكتشفت أن وسواسي بأن يكون كل شيء في مكانه وكل مسألة في وقتها وكل كلمة بأسلوبها ليس المكافأة المستحقة لذهن مرتب، بل هو على العكس من ذلك، نظام تصّنع ابتدعته نفسي لم واراة فوضاء الطبيعية . اكتشفت أنني لست منضبطا بدافع الفضيلة وإنما كرد فعل على تهاوني وتقصيري؛ وأنني أبدو سخيا لكي أواري خستي، وأنني أتظاهر بالتعقل والحذر لأنني سيئ الظنون، وأنني أميل إلى المصالحة كيلا أنقاد لنوبات غضبي المكبوحة، وأنني دقيق في مواعيدي لمجر د ألا يعرف مدى استهانتي بوقت الآخرين . واكتشفت أخيرا أن الحب ليس حالة روح وإنما هو علامة بروج فلكية. صرت شخصا آخر . حاولت قراءة الكلاسيكيين الذين وجهوني في صباي فلم أستطع ذلك. أغرقت نفسي في الآداب الرومانسية التي نفرت منها عندما أرادت أمي فرضها علي بالقو ة. ومنها توصلت إلى أن أعي أن القوة الغلابة التي دفعت العالم قدمًا، ليست في الغراميات السعيدة، وإنما في الغراميات المعاكسة . وعندما تعرض ذوقي الموسيقي لأزمة اكتشفت كم أنا متأخر وهرم، وفتحت قلبي لمتع المصادفات. إنني أتساءل كيف أمكن لي أن أرزح تحت وطأة هذا الدوار الأبدي الذي أسببه أنا نفسي وأخشا ه. كنت أطفو بين غيوم تائهة، وأكلم نفسي قبالة المرآة، سعيًا إلى الوهم الباطل بمعرفة من أنا. وبلغ هذياني حدًا في إحدى المظاهرات الطلابية بالحجارة والزجاجات، 43 أن استجمعت قوة من ضعفي كيلا أتصدر المظاهرة بلافتة تكرس حقيقتي: ( إنني مجنون بالحب). ومغشي علي باستذكار ديلغادينا النائمة، دون هوادة، بدلت دون أدنى خبث روح مقالاتي في أيام الآحاد . فصرت أكتبها لها، أيًا كانت المسألة التي أطرحها. كنت أضحك في مقالاتي أو أبكي من أجلها وفي كل كلمة منها تستنفد حياتي . وبدلا من صيغة التعليق المحلي التقليدي التي كانت عليه منذ الأزل، صرت أكتبها كرسائل حب، يمكن لأي كان أن يعتبرها له . اقترحت على الجريدة ألا يُطبع النص بحروف اللينوتيب الطباعية، وإنما بخطي المنمق . وبدا الأمر لرئيس التحرير ، كيف لا، مجرد إفراط آخر في غرور الشيخوخة، لكن المدير العام أ قنعه بجملة ما زالت تمضي طليقة في قاعة التحرير: - لا تخطئ: فالمجانين الوديعون يستبقون المستقبل. وكان الرد الشعبي فوريا وحماسيًا، في الكثير من رسائل القراء العاشقين، وبعض السطور في نشرات الأخبار المستعجلة لآخر ساعة . واستنسخت منها نسخا بمحاكاة الخط يدويان أو باستخدام ورق الكربون، وكانت تباع مثل السجائر المهربة على نواصي شارع سان بلاس . كان جليّا منذ البداية، أنها تستجيب للهفتي في التعبير عن حالتي، ولكنني تعودت على أخذ ردود الفعل تلك بالاعتبار وأنا أكتب، ودائما بصوت رجل في التسعين من عمره، لم يتعلم التفكير كعج وز هرم . أبدى الوسط الثقافي، كما هي عادته، الفزع والانقسام : وحتى خبراء الخطوط الذين لا يخطرون على بال أحد، عقدوا مناظرات حول التحاليل الخاطئة لخطي . وكانوا هم من قسموا التوجهات الحماسية وأحموا النقاش، وجعلوا من الحنين موضة رائجة. قبل انتهاء السنة كنت قد رت بت مع روسا كاباركاس من أجل الإبقاء في الغرفة على المروحة الكهربائية ومستحضرات التجميل على خوان الزينة، وما سأواصل إحضاره إليها في المستقبل، لجعلها صالحة للمعيشة . كنت أصل في العاشرة على الدوام حام ً لا شيئ ًا جديد ًا لها، يتبع | |
|
| |
adams13 عضو مميز
عدد الرسائل : 225 العمر : 39 الموقع : tetouan تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 05/05/2008
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الجمعة أبريل 17, 2009 4:09 pm | |
| شمان دخلا عندك أ luna انا مع صحبي و أنت ؟؟؟؟ | |
|
| |
targiste مشرف
عدد الرسائل : 444 العمر : 41 الموقع : jebha تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 30/01/2009
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز السبت أبريل 18, 2009 5:34 am | |
| 44 أو مناسبً ا لذوقنا نحن الاثنين، وأكرس بضع دقائق لإخراج الأشياء المخبّأة، وترتيب مسرح ليالينا، وقبل أن أغادر، ليس بعد الخامسة على الإطلاق، أعود لحفظ كل شيء وتأمينه وراء قفل . فتصير الحجرة عندئذ هزيلة، مثلما كانت في الأصل، للغراميات الحزينة للزبائن العابرين. في صباح أحد الأيام سمعت أن ماركوس بيريث، أوسع الأصوات شعبية في الإذاعة منذ الفجر، قد قرر قراءة مقالتي الأحدية في برنامجه الإخباري أيام الاثنين . وعندما تمكنت من كبح غثياني قلت متفاجئًا: أنت تعرفين يا ديلغادينا، الشهرة سيدة بدينة لا تنام مع المرء، ولكنه حين يستيقظ يجدها تنظر إليه قبالة السرير. في واحد من تلك الأيام بقيت لتناول الفطور مع روسا كاباركاس، وكانت قد بدأت تبدو لي أقل هرمًا على الرغم من الحداد الصارم والقلنسوة السوداء التي تصل حتى حاجبيها. كانت وجبة الفطور التي تعدها مشهورة بروعتها، مع شحنة من الفلفل الحار أنزلت دموعي . ومع لقمة النار الحا رقة الأولى، قلت لها مستحمًا بالدموع : لن أحتاج هذه الليلة إلى قمر مكتمل كي أصاب بحرقة في شرجي . فقالت هي : لا تتذمر، إذا كان يحرقك فلأنه لا يزال موجودًا لديك، بحمد الله. أبدت استغرابها عندما ذكرت أمامها اسم ديلغادينا . فقالت: هذا ليس اسمها . لأن اسمها. فقاطعتها: لا تخبريني به، فهي ديلغادينا بالنسبة لي . هزت كتفيها : حسن، إنها لك في نهاية المطاف، ولكنه يبدو لي اسمً ا مدرًّا للبول . أخبرتها بعبارة النمر التي كتبتها الطفلة على المرآة . فقالت روسا : لا يمكن أن تكون هي من فعلت ذلك، لأنها لا تعرف القراءة والكتابة . من كتبها إذن؟ فهزت كتفيها : يمكن أن يكون شخصًا قد مات في الغرفة. كنت أنتهز جلسات الفطور تلك لأفرج عن نفسي، وافتح قلبي لروسا كاباركاس، وألتمس منها تقديم خدمات ضئيلة، من أجل راحة ديلغادينا وحسن مظهرها . وكانت تمنحني تلك الخدمات دون أن تفكر فيها، 45 بشيطنة تلميذة . وقد قال ت لي في تلك الأيام : يا له من أمر مضحك ! أشعر كما لو أنني أطلب يدها . وخطرت لها الفكرة : وبالمناسبة، لماذا لا تتزوجها؟ أصبت بالتجمد . فألحت هي : بجد، سيكون ذلك أرخص لك . ولمشكلة في سنك هذه، في نهاية المطاف، هي إن كنت تنفع أم لا، وقد أخبرتني بأن هذه المشكلة محلولة . فاعترضتها: الجنس هو العزاء الذي يلجأ إليه المرء عندما لا يحصل على الحب. أفلتت هي ضحكتها : آي، يا عالمي، لقد كنت أعرف على الدوام أنك رجل، وقد كنت كذلك دومًا، ويسعدني أنك ما زلت، بينما يسلم أعداؤك أسلحتهم . إنهم محقون بالإكثار من الحديث عنك . هل سمعت ماركوس بيريث؟ فقلت لها، لأقطع الموضوع: الجميع يستمعون إليه . ولكنها ألحت : وكذلك البروفوسور كاماتشو كانو، قال بالأمس، في برنامج "ساعة لقليل من كل شيء "، إن العالم لم يعد مثلما كان، لأنه لم يبق فيه رجال كثيرون من أمثالك. في نهاية ذلك الأسبوع، وجدت دليغادينا مصابة با لحمى والسعال . أيقظت روسا كاباركاس كي تعطيني دواء بيتيًا ما، فحملت إلي، في الغرفة، صيدلية إسعافات أولية. بعد يومين من ذلك كانت صحة ديلغادينا لا تزال واهنة، ولم تستطع العودة إلى عملها الروتيني في تركيب الأزرار . كان الطبيب قد وصف لها علاجً ا بيتيًا من زكام عادي، يخف خلال أسبوع، ولكنه ذعر لحالة سوء تغذيتها العامة . توقفت عن رؤيتها وأحسست أنني أفتقدها، فانتهزت الفرصة لأرتب الغرفة في غيابها. حملت إلى هناك أيضًا رسمًا بالقلم لسيسيليا بوراس، رسمته من أجل (جميعنا في الانتظار)، كتاب قصص قصيرة لألفارو سبيدا . وأخذت أيضًا الأجزاء السبعة من رواية "جوان كريستوفر " لرومان رولان، كي أرعى سهراتي . وعندما استطاعت ديلغادينا العودة إلى الغرفة، وجدتها جديرة بسعادة مستقرة. | |
|
| |
targiste مشرف
عدد الرسائل : 444 العمر : 41 الموقع : jebha تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 30/01/2009
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الأحد أبريل 19, 2009 7:33 am | |
| 46 الهواء المنقى بمضاد حشرات معطر، جدران مطلية بلون وردي، مصابيح خافتة، أزهار جديدة في المزهريات، كتبي المفضلة، أفضل لوحات أمي معلقة بطريقة أخرى، وفق ذوق هذه الأيام. وكنت قد استبدلت المذياع القديم بآخر ذي موجة قصيرة، أبقيته متزامنًا مع برنامج موسيقى راقية، كي تتعلم ديلغادينا النوم على رباعيات موزارت . ولكنني وجدته في إحدى الليالي على محطة متخصصة بأغنيات البوليرو الرائجة . إنه ذوقها دون شك، فتقبلته دون ألم، فأنا أيضًا عنيت بالبوليرو من قلبي في أفضل أيامي . وقبل أن أرجع إلى البيت، في اليوم التالي، كتبت على المرآة بقلم أحمر الشفاه : (إننا وحيدان في العالم يا طفلتي). في هذه الفترة راودني إحساس غريب بأنها تكبر قبل موعدها . تحدثت في الأمر مع روسا كاباركاس، وبدا لها ذلك طبيعيًا. فقد قالت لي : ستكمل الخامسة عشرة من عمرها في الخامس من كانون الأول القادم . إنها نموذج كامل لبرج القوس، وأقلقني أنها واقعية إلى حد أن لها عيد ميلاد . ماذا يمكنني أن أهدي إليها؟ فقالت روسا كاباركاس: دراجة. فعليها أن تجتاز المدينة مرتين كل يوم، من أجل الذهاب لتثبيت الأزرار. وأرتني في مستودع الدكان الخلفي، الدراجة التي تستخدمها، وقد بدت لي في الحقيقة، خردة غير جديرة بامرأة محبوبة مثلها . ولكن وجود الدراجة أقنعني، مع ذلك بالدليل الملموس، بأن ديلغادينا موجودة في الحياة الواقعية. عندما ذهبت لشراء أفضل دراجة لها، لم استطع مقاومة إغواء تجربتها . وقمت ببعض الجولات العارضة على منصة المتجر المائلة . البائع الذي سألني عن سني أجبته بتدلل الشيخوخة . سأكمل الواحدة والتسعين . فقال الموظف ما كنت أود سماعه بالضبط: إنك تبدو اصغر بعشري ن سنة . أنا نفسي لم أفهم كيف ما زلت أحتفظ بممارسات المدرسة، وأحسست أنني مترع بمتعة مشعة . بدأت أغني . غنيت أولا بيني وبين نفسي، بصوت خافت، وبعد ذلك بملء صدري، بزهو كاروسو العظيم، وسط المتاجر المزركشة، وحركة المرور المجنونة في السوق العام . كان الناس 47 ينظرون إلي بمرح، ويصرخون بي، ويحثونني على المشاركة في مسابقة "اجتياز كولومبيا" على الدراجات . فكنت أوجه إليهم بيدي تحية ملاح سعيد، دون أن أوقف الأغنية. في هذا الأسبوع، تكريمًا لكانون الأول كتبت مقالة جريئة أخرى : (كيف تكون سعيدًا على دراجة وأنت في التسعين). في ليلة عيد ميلادها غنيت لديلغادينا أغنية أعياد الميلاد كاملة، وقبلتها في كل أنحاء جسمها، إلى أن انقطعت أنفاسي : العمود الفقري فقرة فقرة، حتى الردفين الهزيلين، والخاصرة ذات الشامة، في جهة قلبها الذي لا يكل ولا يستنفد . وكلما تماديت في تقبيلها ازدادت حرارة جسدها وأطل ق عبقا وحشيا وقد ردت علي بارتعاشات جديدة في كل بوصة من بشرتها، وفي كل بوصة كنت أجد دفئًا مختلفًا طعما خاصًا، وأّنة جديدة، ورّنت كلها من الداخل في دوزان موسيقي، وتفتحت حلمتا نهديها كزهرتين دون لمسهما . بدأت أغفو في الفجر عندما سمعت ما يشبه جلبة حشد في البحر، وهلع أشجار اخترق قلبي . عندئذ ذهبت إلى الحمام، وكتبت على المرآة : (لقد جاءت نسائم أعياد الميلاد يا ديلغادينا حياتي). أحد أكثر ذكرياتي سعادة هو تشوش أحسست به في صباح مثل ذاك، لدى خروجي من المدرسة . ماذا جرى لي؟ فقالت لي المعلمة ببلاهة : آي، أيها الصغير، ألا ترى أنها النسائم؟ بعد ثمانين سنة من ذلك، عدت أشعر الشعور نفسه، عندما استيقظت في سرير ديلغادينا، وكان كانون الأول نفسه الذي يرجع دقيقًا في موعده، بسمائه الصافية، وعواصفه الرملية وزوابع الأزقة التي تنزع سقوف البيوت، وترفع تنانير التلميذات. المدينة تكتسب عن دئذ رنينً ا شبحيًا. في ليالي النسيم، يمكن أن تسمع صرخات السوق العام، حتى في أكثر الأحياء ارتفاعًا، كما لو أنها عند المنعطف . ولم يكن غريبًا عندئذ أن تتيح لنا هبات كانون الأول العثور على أصدقائنا المبعثرين في مواخير نائية من خلال أصواتهم. | |
|
| |
targiste مشرف
عدد الرسائل : 444 العمر : 41 الموقع : jebha تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 30/01/2009
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الإثنين أبريل 20, 2009 10:14 am | |
| 48 ومع ذلك، فقد وصلني مع النسائم أيضًا، الخبر التعس بأن ديلغادينا لا تستطيع قضاء أعياد الميلاد معي، وإنما مع أسرتها، إذا كان هناك ما أمقته في العالم، فهي الأعياد الإجبارية التي يبكي فيها الناس من السعادة، والألعاب النارية، وأهازيج عيد الميلاد الغبية، وأكاليل ورق الكورنيش التي لي ست لها أي علاقة بطفل ولد منذ ألفي عام، في إسطبل فقير . ومع ذلك لم أستطع عندما جاءت ليلة الميلاد، أن أقاوم الحنين، فذهبت إلى الغرفة من دونها . ،نمت جيدًا واستيقظت وإلى جانبي دب من فرو، يمشي على قائمتين كما لو كان دبًا قطبيًا، وبطاقة تقول : إلى بابا القبيح . كانت روسا قد أخبرتني بأن ديلغادينا بدأت تتعلم القراءة من دروسي المكتوبة على المرآة، وقد بدا لي خطها الأنيق رائعًا. ولكن روسا نفسها خيبت ظني، بخبر أسوأ حين قالت، إن الدب هدية منها . وهكذا، لم أبق في ليلة الميلاد في بيتي منذ الساعة الثامنة ليلا، ونمت دون مرارة . كنت سعيدً ا، فمع دقات الساعة الثانية عشرة، ووسط قرع النواقيس الهائجة، وصفارات المصانع وعربات الإطفاء، وأنين السفن، أحسست أن ديلغادينا قد دخلت على رؤوس أصابعها واستلقت إلى جانبي، وقبلتني . كانت واقعية إلى حد ظلت معه رائحة عرق السوس المنبعثة من فمها، عالقة بفمي. 49 الفصل الرابع في بداية العام الجديد، بدأنا التعرف أحدنا على الآخر، كما لو أننا نعيش معًا، مستيقظين. فقد توصلت إلى العثور على نبرة صوت حذر تسمعه هي دون أن تستيقظ، وترد علي بلغة طبيعية من جسدها . كانت حالتها المعنوية تتبدى من خلال طريقتها في النوم . فمن ح الة الإنهاك والنفور التي بدت عليها في البدء، راحت تتحول إلى حالة سلام داخلي تجمل وجهها وتثري أحلامها . صرت أروي لها قصة حياتي، وأقرأ في مسمعها مسودات مقالاتي ليوم الأحد، وكانت هي، وهي وحدها، موجودة فيها دون أن أقول ذلك. في هذه الفترة تركت لها على الوسادة ق رطين من الزمرد كانا لأمي . فوجدتها تضعهما في أذنيها في الموعد التالي، ولم يكونا مناسبين لها . فحملت لها بعد ذلك قرطين آخرين، أكثر ملاءمة للون بشرتها . وأوضحت لها : القرطان الأولان اللذان جئتك بهما لا يتناسبان مع شخصيتك وقصة شعرك . هذان يناسبانك أكثر. فلم تضع أيا منهما في الموعد التالي، ولكنها وضعت في الموعد الثالث اللذين أشرت إليهما . وهكذا بدأت أفهم أنها لا تنصاع لأوامري، ولكنها تتحين الفرص لإرضائي . وفي تلك الأيام، أحسست أنني قد اعتدت على ذلك النمط من الحياة المنزلية، فلم أعد أنام عاريًا، بل صرت أرتدي بيجامة من الحرير الصيني كنت قد توقفت عن استخدامها، لأنه لم تعد هناك من تنتزعها عني. بدأت أقرأ لها لسانت إكزوبري، المؤلف الفرنسي الذي يقدره العالم بأسره أكثر من الفرنسيين . كان الكتاب الأول الذي أمتعها دون أن يوقظها، فكان علي أن أذهب يومين متتاليين كي أنهي قراءته لها وواصلنا بقراءة (حكايات بيرول ) وقصص (التاريخ المقدس ) و(ألف ليلة وليلة ) في طبعة مهذبة للأطفال . وبسبب الاختلافات بين كتاب وآخر انتبهت إلى أن لنومها درجات متفاوتة من العمق، | |
|
| |
targiste مشرف
عدد الرسائل : 444 العمر : 41 الموقع : jebha تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 30/01/2009
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الخميس أبريل 23, 2009 5:38 am | |
| 50 حسب اهتمامها بالقراءات . وعندما كنت أشعر أنها لم تعد قادرة على تقبل الم زيد، أطفئ النور وأنام وأنا أحتضنها إلى أن تصيح الديكة. كنت أشعر بسعادة غامرة تدفعني إلى تقبيل رموشها، برقة شديدة، وحدث في إحدى الليالي، مثل نور من السماء، أن ابتسمت لأول مر ة. وبعد ذلك ودون أي سبب، انقلبت في السرير وأولتني ظهرها، وقالت باستياء : إيزابيل هي التي أبكت الحلزونات. ومبتهجًا بوهم إقامة حوار، سألتها بالنبرة نفسها: ولمن كانت الحلزونات؟ فلم تجب . كان لصوتها أثر عامي، كما لو أنه ليس صوتها وإنما صوت شخص غريب تحمله في داخلها. وعندئذ تلاشت كل ظلال الشك من روحي : إنني أفضلها نائمة. كانت مشكلتي الوحيدة هي الهرّ. فقد كان ضعيف الشهية ونفورًا، ومضى عليه يومان دون أن يرفع رأسه في ركنه المعهود، وقد وجه إلي ضربة مخلب ضارية عندما أردت وضعه في سلته الخيزرانية، كي تأخذه داميانا إلى البيطري . لم تتمكن من السيطرة عليه إلا بصعوبة، وحملته وهو يرفس في كيس من القنب . وبعد قليل، اتصلت بي من متجر الحيوانات، لتقول لي إنه لا وجود لوسيلة أخرى سوى التضحية به، وهم يريدون موافقتي على ذلك . لماذا؟ فقالت داميانا: لأنه هرم جدا. وفكرت غاضبًا في أنهم قد يشوونني حيًا أنا أيضًا، في فرن لإحراق القطط. أحسست بأني أعزل بين نارين : فأنا لم أتعلم حب القط بعد، ولكن ليس لدي قلب كذلك، لأوافق على قتله، لمجرد أنه هرم وحسب. أين يقول الكراس ذلك؟ أّثر فيّ الحادث بعمق، حتى أنني كتبت مقالة ليوم الأحد بعنوان مسروق من نيرودا: (هل القط نمر صالونات مصغر؟ ) وتسببت المقالة في حملة جديدة، قسمت القراء، مرة أخرى، إلى مؤيدين ومعارضين للقطط. وخلال خمسة أيام تغلبت الأطروحة القائلة بمشروع ية التضحية بقط، لأسباب لها علاقة بالصحة العامة، ولكن ليس لأنه هرم 51 بعد موت أمي كان يؤرقني الرعب من أن هناك من يلمسني وأنا نائم . وذات ليلة Figlio : أحسست بها، لكن صوتها أعاد إلي الطمأنينة، وهي تقول لي بالإيطالية وعدت إلى الإحساس به في فجر أحد الأيام، في غرفة ديلغادينا، .mio poveretto فتلويت من البهجة، معتقدا أنها قد لمستني . ولكن لا : كانت روسا كاباركاس في الظلام. وقالت لي: ارتد ملابسك، وتعال معي، لدي مشكلة جديدة. وقد كانت كذلك فع ًلا، بل أكثر جديًا مما استطعت تخيله . فأحد كبار زبائن المحل قتل مطعونًا في الغرفة الأولى من الجناح . كان القاتل قد هرب . والجثة الضخمة العارية، باستثناء الحذاء، كانت شاحبة شحوب فروج على البخار، في سرير مضمخ بالدم . عرفته على الفور : إنه خ . م. ب. مصرفي كبير، مشهور بوجاهته و لطفه وتأنقه في الملبس، وقبل ذلك بجمال منزله . كان هناك في عنقه جرحان بنفسجيان، مثل شفتين، وفجوة في البطن لم تتوقف عن النزيف بعد . وما أثر فيّ أكثر من الجراح هو الواقي الذكري الذي بدا أنه لم يستعمل بعد، على العضو المنكمش بفعل الموت. لم تكن روس كاباركاس تعرف مع من كان في الغرفة، لأنه كان يتمتع كذلك بامتياز الدخول من البوابة المطلة على البستان . ولم تستبعد الشكوك في أن من كان برفقته هو رجل آخر . الشيء الوحيد الذي كانت صاحبة المحل تريده مني، هو مساعدتها في إلباس الجثة ثيابها. بدت واثقة من نفسها. حتى أنني أحسست با لقلق من فكرة أن الموت في نظرها لا يعدو أن يكون مسألة مطبخ . قلت لها: ليس هناك ما هو أصعب من إلباس ميت ثيابه . فردت هي : لقد فعلت ذلك كثيرًا. والأمر سهل إذا كان هناك سيثبت لي الميت . فلفت نظرها: هل تتصورين أن هناك من سيصدق الحديث عن جسد ممزق بالطعنات داخل بدلة جنتلمان إنكليزي سليمة؟ ارتعدت خوفًا على ديلغادينا فقالت لي روسا كاباركاس : من الأفضل أن تأخذها أنت من هنا. فقلت لها بلعاب متجمد : أفضل الموت قبل ذلك . وانتبهت هي إلى حالتي، ........... | |
|
| |
targiste مشرف
عدد الرسائل : 444 العمر : 41 الموقع : jebha تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 30/01/2009
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز السبت أبريل 25, 2009 6:48 am | |
| ولم تستطع مواراة ازدرائها : إنك ترتجف ! فقلت: خوفًا عليها، ولكن قولي لم يكن سوى نصف الحقيقة. وأضفت قائلا: اطلبي منها أن تغادر قبل أن يأتي أحد . فقالت: حسن، أما أنت فلن يحدث لك شيء باعتبارك صحفيًا. وأنت أيضا لن يحدث لك شيء، قلت لها بشيء من الحنق، فأنت الشخصية الليبرالية الوحيدة التي تأمر وتنهى في هذه الحكومة. المدينة المشتهاة، لطبيعتها السلمية، وأمنها الفطري، كانت تجرجر في كل سنة نكبة عملية قتل فاضحة ومروعة . لكن عملية القتل تلك لم تكن واحدة منها . فالخبر الرسمي الذي ظهر بعناوين بارزة وتفاصيل وفيرة يقول إن المصرفي الشاب تعرض للاعتداء والقتل طعنًا، عرى طريق برادومار، لأسباب غير معروفة . لأنه ليس له أعداء . ويشير بيان الحكومة، كقتلة مزعومين، مزعومين إلى لاجئين من مناطق البلاد الداخلية، كانوا يقومون بموجة جرائم غريبة عن الروح المواطنية لسكان المدينة. وقد جرى خلال الساعات الأولى اعتقال أكثر من خمسين شخصًا. هرعت مستشيطًا من الغيط مع المحرر القضائي، وهو صحفي نموذجي من صحفيي سنوات العشرينيات، يضع واقية شمس من السيلويلويد الأخضر، وربطتين على ُ كميه، يتبجح بأنه يسبق الوقائع . ومع ذلك لم يكن يعرف إلا نسالات متفرقة عن الجريمة، فأكملتها له بقدر ما يتيحه لي الحذر . وهكذا كتبنا معا خمس صفحات لخبر ينشر على ثمانية أعمدة في الصفحة الأولى، منسوب إلى الشبح الأبدي الذي نسميه : مصادر تستحق ثقتنا الكاملة . ولكن يد رجل الساعة التاسعة البغيض – الرقيب - لم ترتجف لفرض الرواية الرسمية القائلة إنه اعتداء قطاع طرق ليبراليين . فغسلت ضميري بتقطيبة حزن، في أشد جنازات القرن صفاقة وأوسعها حضورًا. عندما رجعت إلى البيت في تلك الليلة، اتصلت بروسا كاباركاس لأستفسر عما حدث لديلغادينا ولكنها لم ترد على الهاتف طوال أربعة أيام . في اليوم الخامس، ذهبت إلى 53 البيت وأنا أضغط على أسناني . كان الباب مختومًا، ولكن ليس من الشرطة وإنما من قبل مصلحة الصحة . ولم يكن هناك في الجوار من يعرف شيئا . ودون أن يكون لدي أي مؤشر لمكان وجود ديلغادينا انطلقت في بحث ضارٍ، ومضحك أحيانًا، خلفني لاهثًا. أمضيت أياما بطولها أراقب الفتيات راكبات الدراجات، من مقاعد حديقة معفرة بالغبار، حيث الأطفال يلعبون بتسلق تمثال مقشر لسيمون بوليفار. كنت أرى مرورهن على الدراجات كالغزالات؛ جميلات، جاهزات، مستعدات لأن يمسك بهن في لعبة الدجاجة العمياء . وعندما نفدت آمالي لجأت إلى سلام ألحان البوليرو . كنت أشبه بمخمور مسمم : كل كلمة كانت (هي). لقد كنت أحتاج إلى الصمت دائمًا، من أجل الكتابة، لأن عقلي ي لتفت إلى متابعة الموسيقى أكثر من الكتابة . ولكن الأمر انقلب آنذاك : لم أعد أستطيع الكتابة إلا في ظلال ألحان البوليرو . امتلأت حياتي بها . المقالات التي كتبتها في ذينك الأسبوعين كانت نماذج مشفرة لرسائل الحب . فطلب مني رئيس التحرير المعارض لذلك السيل من الردود أن أخفف من الحب ريثما نفكر في طريقة نواسي بها كل أولئك القراء العاشقين. انعدام السكينة أجهز على صرامة أيامي . كنت أستيقظ في الخامسة، ولكنني أظل في عتمة الغرفة، متخيلا ديلغادينا في حياتها اللاواقعية، وهي توقظ إخوتها، وتلبسهم ملابسهم المدرسية، وتقدم لهم الفطور ، إن وجد، وتجتاز المدينة على الدراجة لتقضي محكوميتها بخياطة الأزرار . تساءلت مذهو ًلا ما الذي تفكر فيه امرأة وهي تخيط الأزرار؟ تراها تفكر ف ي؟ هل تبحث هي أيضًا عن روسا كاباركاس لتلتقي بي؟ أمضيت أسبوعًا دون أن أخلع أفرهول الميكانيكي، في الليل والنهار، ودون أن أستحم، ودون أن أحلق ذقني، ودون أن أنظف أسناني، لأن الحب علمني في وقت متأخر جدً ا، أن المرء يتهندم من أجل أحد، يلبس ويتعطر من أجل أحد، وأنا لم يكن لدي قط من أفعل ذلك من أجله . ظنت داميانا أنني مريض عندما وجدتني عاريًا في أرجوحة النوم في الساعة العاشرة صباحًا. رأيتها بعينين معكرتين بالجشع، ودعوتها للتقلب معي ونحن عاريان. فقالت لي بازدراء: - وهل فكرت فيما ستفعله، إذا قلت لك نعم؟ هكذا عرفت إلى أي حد أفسدتني المعانة . لم أكن أتعرف على نفسي في ألمي المراهق. ولم أعد أخرج من البيت كيلا أبتعد عن رصد الهاتف . فصرت اكتب دون أن أفصله ولدى أول رنين أقفز إليه مفكرًا في أنها قد تكون روسا كاباركاس . وأقطع أياما بطولها إلى أن أدركت أنه هاتف بلا قلب. | |
|
| |
targiste مشرف
عدد الرسائل : 444 العمر : 41 الموقع : jebha تقييم المشاركات : 0 تاريخ التسجيل : 30/01/2009
| موضوع: رد: رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز الإثنين أبريل 27, 2009 8:46 am | |
| 54 ولدى عودتي إلى البيت في مساء أحد الأيام، وجدت القط متقوقعا على نفسه عند أدراج البوابة . كان متسخا ومزريا، وفي حالة من الوداعة مثيرة للشفقة . أوضح لي الكراس أنه مريض، واتبعت تعليماته ليستعيد عافيته . وفجأة بينما أنا أتناوم في إفاءة قيلولة، أيقظتني فكرة أنه يمكن أن يقودني إلى بيت ديلغادينا. حملته في كيس مشتريات حتى حانوت روسا كاباركاس، فكان لا يزال مختوما، وبلا أي إشارة إلى وجود حيا ة فيه، ولكن القط تقلب في الكيس باندفاع شديد . تمكن معه من الهرب . قفز حاجز البستان، واختفى بين الأشجار . طرقت البوابة بقبضتي، فسألني صوت عسكري، دون أن يفتح : من هناك؟ أناس مسالمون، قلت ذلك كيلا أكون أقل منه، وأضفت: إنني أبحث عن صاحبة المحل . فقال الصوت : لا توجد صاحبة المحل . فألححت: افتح لي كي آخذ القط على الأقل . قال: لا يوجد قط . سألته: ومن تكون أنت؟ لا أحد، قال الصوت. لقد أعتقد على الدوام، أن الموت حبا ليس إلا وسيلة شعرية . ولكنني في ذلك المساء، بينما أنا عائد إلى البيت، من دون القط، ومن دونها، تأكدت من أن الموت حبًا ليس ممكنًا وحسب، وإنما أنا نفسي، العجوز الذي ليس لديه أحد آخذ بالموت حبا. ولكنني انتبهت أيضا إلى أن الحقيقة المعاكسة تنطبق عليّ: لا يمكن لي أن أستبدل بغمي كل متع الدنيا. كنت قد أضعت ما يقارب الخمس عشرة سنة، في محاولة ترجمة أغنيات ليوباردي، وفي تلك الأمسية فقط أحسست بها بعمق : (آه لحالي، إذا كان حبا فكم هو معذب). 55 دخولي إلى الجريدة بالأفرهول، وبذقن غير حليقة، أيقظ بعض الشكوك حول حالتي الذهنية. المبنى المرمم، مع كبينات فردية من الزجاج، وأنوار سمتية، بدا كأنه مستشفى أمومة وتوليد . فالجو الصامت والمريح بتصنع يغري بالتحدث همسا والمشي على رؤوس الأصابع . في ردهة المدخل، ومثل نواب ملك موتى، كانت الصورة الزيتية للمديرين الثلاثة مدى الحياة، والصور الفوتوغرافية للزائرين المشهورين. وكان يتصدر القاعة الرئيسة الهائلة صورة ضخمة لهيئة التحرير الحالية، التقطت في مساء عيد ميلادي . لم أستطع تفادي المقارنة الذهنية مع الصورة الأخرى، الملتقطة وأنا في الثلاثين . وتأكدت مرة أخرى بذعر أن المرء يشيخ في الصور أكثر، وبصورة أسوأ، مما هو في الواقع . السكرتيرة التي قبلتني في مساء يوم عيد ميلادي، سألتني إذا ما كنت مريضا. وأسعدني أن أجي بها بالحقيقة كيلا تصدقني: إنني مريض بالحب . فقالت هي : مؤسف أنه ليس هياما بي ! فرددت إليها المجاملة: لا تكوني واثقة إلى هذا الحد. خرج المحرر القضائي من كبينته صارخا بأن هناك جثتي فتاتين مجهولتي الهوية في المشرحة البلدية . سألته مذعورا: ما هي سنهما؟ فقال هو : إنهما شابتان . يمكن أن تكونا لاجئتين من المناطق الداخلية، طاردهما قتلة النظام إلى هنا. زفرت براحة . وقلت: الوضع يداهمنا بصمت مثل بقعة دم . فصرخ المحرر القضائي وقد صار بعيدًا: - ليس مثل بقعة دم يا معلم، بل براز. شيء أسوأ من ذلك حدث لي بعد أيام، عندما لمحت بصورة خاطفة فتاة تحمل سلة مثل سلة القط، مرّت كأنها قشعريرة قبالة مكتبة موندو . لحقت بها أشق طريقي بمنكبي بين حشد في زحام الساعة الثانية عشرة ظهرا. كانت جميلة جدا، خطواتها واسعة وانسيابية في شق طريق لنفسها بين الناس، مما كلفني جهدا في اللحاق بها. وأخيرًا تجاوزتها، ونظرت إليها مواجهة . فأبعدتني جانبا بيدها، دون أن تتوقف | |
|
| |
| رواية ذاكرة غانياتي الحزينات . غابرييل غارسيا مركيز | |
|